عسكرنا في المدينة ، وكأننا في الصحراء ، لقد نصبنا خيامنا على الشاطىء ، وسط عدد من المدافع المنصوبة في هذا المكان للدفاع عن الساحل ـ زعموا ـ ، وهي لم تستخدم ولن تستخدم أبدا ، لقد كانت متروكة هنا دون أن يكون قربها ظل حارس يسهر عليها ، ولا تستخدم إلا لعبا للأطفال يلهون بها ، ويعتلونها دون خوف وكأنها أحصنة خشبية. يمتد هذا الشاطىء الواسع والجميل كل الجمال بعيدا حتى سفح الجبل الذي يبدو منحدرا انحدارا عموديا في البحر. أما الميناء فيمتد إلى الجنوب وكأنه سماط أزرق ، / ٢٨ / وتسد الأفق قمم سلسلة جبال سيناء الوعرة.
لقد كانت السويس قبل وصولنا بفترة وجيزة ، مسرحا لاضطرابات شعبية ضد الأوروبيين الذين يسكنونها ، فقد تجمع الناس أمام منازلهم ، وبدأوا يكيلون لهم الشتائم ويهددونهم ، ويرمون نوافذ بيوتهم بالحجارة ، وكان يمكن لسلطات المدينة أن تعيد الهدوء إليها ببساطة ، لأن الشعب المصري لين العريكة ، ولا يحب الشراسة ، ولكن حاكم المدينة لم يأبه للأمر ، أو أنه تهاون في اتخاذ الإجراءات ، معتقدا ـ دون شك ـ أن مثل هذا التصرف لا يعدم أن يعجب الباشا الحاكم ، ويشجع الحقد المتطرف ، ولم يكن بالتالي من الحكمة أن يبدي الحاكم حماسة بالغة لضبط الأمور في مثل هذه الأحوال. ولكن العاصفة مرت بسلام ، ولم تخلّف أي أضرار ، وهدأت وحدها ، ولكن ليس دون أن تترك آثارها في الجالية الأوروبية في القاهرة.
وصلنا والمعمعة محتدمة ، وتلقيت من يد مجهولة حجرا وأنا أتجول في أحد الأزقة الضيقة. وأقر أنه كان عليّ التزام الحذر الواجب في مثل هذه الظروف ، وعدم التخييم في العراء دون أن يكون لنا ما يحمي رؤوسنا إلّا سقوف خيامنا ، ولكننا مع ذلك لم نكن نستطيع التراجع عن خطوتنا الجريئة ؛ ولم يتعرض مخيمنا لأية مضايقة. ولكننا تعرضنا لحادثتين / ٢٩ / من نوع آخر ، ويحسن أن أسجلهما لتكونا عظة للرحالة الذين يسيرون على خطانا في المعاناة من حياة الرحيل ومشكلاتها البسيطة التي لا تخلو منها الحياة الإنسانية عموما ، وحياة كل فرد على وجه الخصوص. كان يقوم على خدمتي شاب