ما زالت بعض شواطئها تتراءى من حين لآخر مودعا تلك الارض التي فيها قبلت قميص رسول الله صلىاللهعليهوآله وهي أعز ما بقي عندي من تلك الذكريات التي عشتها في مصر ، وعدت أستعرض كلام الشيعي الجديد الذي أدخل علي فرحا كبيرا لتحقيق حلم كان يراودني منذ صغري ألا وهو زيارة العراق ، تلك البلاد التي رسمها في ذهني بلاط الرشيد والمأمون مؤسس دار الحكمة التي كان يقصدها طلاب العلوم المختلفة من الغرب أيام ازدهار الحضارة الاسلامية ، أضف إلى ذلك فهي بلاد القطب الرباني والشيخ الصمداني سيدي عبد القادر الجيلاني الذي ملا صيته الاقطار كلها ودخلت طريقته كل قرية وعلت همته كل همة فها هي عناية جديدة من الله لتحقيق هذا الحلم ، وبدأت أتخيل وأسبح في بحر الخيال والآمال حتى نبهني مذياع الباخرة وهو ينادي المسافرين إلى التوجه للمطعم لتناول العشاء ، ذهبت صوب المكان المذكور فإذا الناس يتزاحمون كعادتهم في كل تجمع وكل واحد يريد الدخول قبل غيره وكثر الصياح والهرج ، وإذا بالشيعي يمسك بثوبي ليسحبني بلطف إلى الخلف وهو يقول : تعالى يا أخي لا تتعب نفسك فسوف نأكل فيما بعد بدون زحمة وقد فتشت عنك في كل مكان ، ثم سألني : هل صليت؟ قلت : لم أصل بعد ، فقال : إذا تعال نصلي ثم نأتي للاكل وقد خلص هولاء من الزحام والصياح.
استحسنت رأيه وصاحبته إلى مكان خال من الناس حيث توضأت وقدمته ليصلي إماما قصد اختباره كيف يصلي على أن أعيد صلاتي فيما بعد ، وما إن أقام الصلاة لاداء فريضة المغرب واسترسل في القراة والدعاء حتى غيرت رأيي ، وتخيلت بأني مأموم بأحد الصحابة الكرام الذين أقرأ عنهم وعن ورعهم وتقواهم ، وبعد فراغه من الصلاة ، أطال الدعاء ولم أسمع قبلا هذه الادعية في بلادنا ولا في البلاد التي عرفتها ، وكنت أطمئن وأرتاح كلما سمعته يصلي على محمد وآله ويثني عليه بما هو أهله.
بعد الصلاة لا حظت في عينيه أثر البكاء كما سمعته يدعو الله أن يفتح بصيرتي ويهديني.
اتجهنا إلى المطعم وقد بدأ يخلو من الآكلين ودخلنا فلم يجلس حتى أجلسني وجيء لنا بصحنين من الاكل فرأيته يغير صحنه بصحني لان نصيبي من اللحم كان أقل من