ومن أين ذاك؟ قال يزيد : يا أبا عبد الرّحمن ، إنّ الله يقول : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)(١) فمن أيّ هؤلاء أنت يا أبا عبد الرّحمن؟ قال : من الذين آمنوا ، قال : نعم ، [حتى قال ابن مسعود : اتقوا زلة العالم. قال يزيد : أبا لله كنت تلميذا لمعاذ بن جبل؟ قال : نعم](٢) قال ابن مسعود : إنّ معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله حنيفا ، ولم يك (٣) من المشركين ، فقال أصحابه : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(٤) ، فقال ابن مسعود : إنّ معاذ بن جبل كان أمّة قانتا لله حنيفا ولم يك (٥) من المشركين.
ورواه أبو قلابة الجرمي عن يزيد ولم يسمّه.
أخبرناه أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو بكر محمّد بن هبة الله ، أنا محمّد بن الحسين ، أنا عبد الله ، نا يعقوب ، نا سليمان بن حرب ، نا حمّاد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة عن رجل كان يخدم معاذا قال :
لما مرض معاذ مرضه الذي مات فيه كان يغشى عليه أحيانا ويفيق أحيانا ، فغشي عليه غشية ظنناه لما به ، قال : فأفاق وأنا قبالته أبكي ، فقال لي : ما يبكيك؟ قال : قلت : أم والله ما أبكي على دنيا كنت أنا لها منك ، ولا على نسب بيني وبينك ، ولكني أبكي على العلم والحكم الذي كنت أسمع منك يذهب ، قال : لا تبك ، فإن العلم والإيمان مكانهما ، من ابتغاهما وجدهما ، وابتغه حيث ابتغاه إبراهيم ، فإنه سأل الله تبارك وتعالى وهو لا يعلم ثمّ تلا [قوله تعالى](٦) : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ)(٧) وابتغه بعدي عند أربعة نفر ، فإن وجدته عندهم وإلّا فسائر الناس أغنى به ، عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن سلام ، وسلمان الفارسي ، وعويمر أبي الدّرداء ، وإيّاك وزيغة الحكيم ، وحكم المنافق ، قلت له : وكيف أعلم زيغة الحكيم وحكم المنافق؟ قال : كلمة الضلالة يلقيها الشيطان على لسان الحكيم فلا تحملها ولا تقبل منه ، وإن المنافق قد يقول الحكم ، وخذ العلم إذا جاءك فإنّ على الحق نورا ، وإياك ومغمضات الأمور.
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٦٢.
(٢) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن «ز» ، وم.
(٣) الأصل : يكن ، والمثبت عن «ز» ، وم.
(٤) سورة النحل ، الآية : ١٢٠.
(٥) الأصل : يكن ، والمثبت عن «ز» ، وم.
(٦) زيادة عن «ز» ، سقطت من الأصل وم.
(٧) سورة الصافات ، الآية : ٩٩.