رأى سليمان أن أحدا لا يتتبعه بمظلمة أدخله عليه وجعل يسائله عن أمور الناس ، وعن سير الحجّاج وأعماله ، فكلّما أخبره ببعض ما يكره يقول : ويحك يا يزيد ، ما ترى الله صانعا بالحجّاج يوم القيامة ، قال : فسكت يزيد ، فلمّا أكثر عليه قال : أقول يا أمير المؤمنين ، إن الله سيجعله ثالثا لأبيك وأخيك وبينهما فإن دخلا الجنّة فعاملهما والمنفذ لأمرهما ، وإن دخلا النار فأسفل (١) منهما ، قال : فقال سليمان : ويحك يا فلان ، اكتب إلى العامة (٢) أن يكفّوا عن لعن الحجّاج فلا يذكروه بلعنة ولا بصلاة ، قال : وقد كان كتب إلى العامة (٣) ألّا يذكروه إلّا بلعنة ، قال : فكانوا يفعلون. قال : وأذن له بالانصراف إلى أهله ، فقدم دمشق ، فتهيأ للرواح إلى المسجد ، فراح معتما حتى قام من غرب المسجد ، فقام يصلي فيه ، فنظر أهل المسجد الذين يلونه بعضهم إلى بعض فقالوا : هذا ابن أبي مسلم ، قد صلّى وهو الآن يأتيكم للمجالسة والألفة التي كانت بينكم وبينه ، فقوموا إليه فازجروه عنكم قبل أن يأتيكم ، فإنه إن أتاكم فزجرتموه كانت به عليكم شهرة وأحدوثة. قال : فقاموا إليه ، فلمّا رآهم ظن أنهم أتوه ليسلّموا عليه ، ورحّب بهم ، فقالوا : يا هذا ، إليك عنّا ، كنت تجالسنا وقد فعلت بالعراق وفعلت ، فلا تجالسنا ولا تقربنا ، قال : فقال بيده يحركها وقال : فعلت وفعلت ، أم والله ما أجدني آسى على شيء إلّا على نفوس كثيرة تركتها في سجون العراق ألّا أكون أتيت عليها.
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ـ إذنا ومناولة وقرأ عليّ إسناده ـ أنا محمّد بن الحسين ، أنبأ المعافى بن زكريا القاضي ، نا محمّد بن القاسم الأنباري ، حدّثني أبي ، أخبرني أحمد بن الحارث قال : قال المدائني : دخل يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجّاج على سليمان بن عبد الملك ، وكان مصفرا ، فقال له سليمان : على رجل أمّرك وسلّطك على المسلمين لعنة الله ، فقال : يا أمير المؤمنين ، رأيتني والأمر عني مدبر ، ولو رأيتني والأمر عليّ مقبل لاستعظمت مني ما استصغرت اليوم ، قال : فأين الحجّاج؟ قال : يجيء يوم القيامة بين أبيك وأخيك ، فاجعله حيث شئت.
أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني ، ثنا عبد العزيز بن أحمد ، أنا تمام بن محمّد ، نا محمّد بن سليمان الربعي ، نا محمّد بن الفيض ، نا إبراهيم بن هشام بن يحيى ، حدّثني أبي ، عن جدي قال :
__________________
(١) في المعرفة والتاريخ : فما سؤالك عنه.
(٢) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي المعرفة والتاريخ : اليمامة.
(٣) الحاشية السابقة.