عددهم إلّا الله وهم قوم نصارى ، وجميع الجزائر التي كانت حولهم على دينهم ومذهبهم ، ومسير بلادهم وجزائرهم مدّة شهرين وبينهم وبين البرّ مسيرة عشرين يوما وكلّ من في البر من الأعراب وغيرهم نصارى وتتصل بالحبشة والنوبة وكلّهم نصارى وتتصل بالبربر وهم على دينهم ، فإن حدّ هذا كان بقدر كلّ من في الأرض ولم نضف إليهم الافرنج والروم ، وغير خفي عنكم من بالشام والعراق والحجاز من النصارى ، واتفق أننا سرنا في البحر وأوغلنا وتعدينا الجهات التي كنّا نصل إليها ورغبنا في المكاسب ، ولم نزل على ذلك حتّى صرنا إلى جزائر عظيمة كثيرة الأشجار مليحة الجدران فيها المدن المدوّرة والرساتيق ، وأوّل مدينة وصلنا إليها وارسيت المراكب بها وقد سألنا الناخدا (١) : أيّ شيء هذه الجزيرة؟
قال : والله إنّ هذه جزيرة لم أصل إليها ولم أعرفها وأنا وأنتم في معرفتها سواء ، فلمّا أرسينا بها وصعد التجّار إلى مشرعة تلك المدينة وسألنا ما اسمها فقيل : هي المباركة ، فسألنا عن سلطانهم وما اسمه ، الطاهر ، فقلنا : وأين سرير ملكه؟ فقيل : بالزاهرة. فقلنا : وأين الزاهرة؟ فقالوا : بينكم وبينها مسيرة عشر ليال في البحر وخمس وعشرين ليلة في البر ، وهم قوم مسلمون. فقلنا : من يقبض زكاة ما في المركب لنشرع في البيع والابتياع؟ فقال : تحضرون عند نائب السلطان. فقلنا : وأين أعوانه؟ فقالوا : لا أعوان له بل هو في داره وكلّ من عليه حقّ يحضر عنده فيسلّمه إليه ، فتعجّبنا من ذلك وقلنا : ألا تدلّونا عليه؟ فقالوا : بلى ، وجاء معنا من أدخلنا داره ، فرأيناه رجلا صالحا عليه عباءة وهو مفرشها وبين يديه دواة يكتب منها من كتاب ينظر إليه ، فسلّمنا عليه فردّ علينا السلام وحيّانا وقال : من أين أقبلتم؟ فقلنا : من أرض كذا وكذا ، فقال : كلّكم مسلمون؟
فقلنا : لا ، بل فينا المسلم واليهود والنصارى فقال : يزن اليهودي جزيته والنصراني جزيته ويناظر المسلم عن مذهبه ، فوزن والدي عن خمس نفر نصارى وعنه وعنّي وعن ثلاثة نفر كانوا معنا ثمّ وزن تسعة نفر كانوا يهودا وقالوا للباقين هاتوا مذاهبكم فشرعوا معه في مذاهبهم فقال : لستم مسلمين ، وإنّما أنتم خوارج وأموالكم محلّلة للمسلم المؤمن ، وليس بمسلم من لم يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر وبالوصي والأوصياء من ذريّته حتّى مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليهم ، فضاقت بهم الأرض ولم يبق إلّا أخذ أموالهم ، ثمّ قال لنا :
__________________
(١) كلمة فارسية الأصل معناها ربّان السفينة.