فقيل : إنّ المسافة خمسة وعشرون يوما منها يومان بغير عمارة ولا ماء وبعد ذلك فالقرى متّصلة ، فاكتريت معهم من رجل حمارا بمبلغ ثلاثة دراهم لقطع تلك المسافة التي لا عمارة فيها ، فلمّا قطعنا معهم تلك المسافة ووصلنا أرضهم العامرة تمشيت راجلا وتنقلت على اختياري من قرية إلى اخرى إلى أن وصلت إلى أوّل تلك الأماكن فقيل لي : إنّ جزيرة الروافض قد بقي بينك وبينها ثلاثة أيّام فمضيت ولم أتأخّر فوصلت إلى جزيرة ذات أسوار أربعة ولها أبراج محكمات شاهقات وتلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطئ البحر ، فدخلت من باب كبيرة يقال لها باب البربر فدرت في سككها أسأل عن مسجد البلد فهديت عليه ودخلت إليه فرأيته جامعا كبيرا معظما واقعا على البحر من الجانب الغربي من البلد ، فجلست في جانب المسجد لأستريح وإذا بالمؤذن يؤذن بالظهر ونادى بحيّ على خير العمل ، ولمّا فرغ دعا بتعجيل الفرج للإمام صاحب الزمان (عج) فأخذتني العبرة بالبكاء ، فدخلت جماعة بعد جماعة إلى المسجد وشرعوا في الوضوء على عين ماء تحت شجرة في الجانب الشرقي من المسجد وأنا أنظر إليهم فرحا مسرورا لما رأيت من وضوئهم المنقول عن أئمّة الهدى ، فلمّا فرغوا من وضوئهم وإذا برجل قد برز من بينهم بهيّ الصورة ، عليه السكينة والوقار فتقدّم إلى المحراب وأقام الصلاة فاعتدلت الصفوف وراءه وصلّى بهم إماما وهم مأمومون صلاة كاملة بأركانها المنقولة عن أئمّتنا على الوجه المرضي فرضا ونفلا وكذا التعقيب والتسبيح ، ومن شدّة ما لقيته من وعثاء السفر وتعبي في الطريق لم يمكن أن اصلّي معهم الظهر ، فلمّا فرغوا ورأوني أنكروا عليّ عدم اقتدائي بهم فتوجّهوا نحوي بأجمعهم وسألوني عن حالي ومن أين أصلي؟ وما مذهبي؟ فشرحت لهم أحوالي وأنّي عراقي الأصل وأمّا مذهبي فإنّني رجل مسلم أقول أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الأديان كلّها ولو كره المشركون فقالوا لي : لم تنفعك هاتان الشهادتان إلّا لحقن دمك في دار الدنيا لم لا تقول الشهادة الاخرى لتدخل الجنّة بغير حساب؟ فقلت لهم : وما تلك الشهادة الاخرى اهدوني إليها يرحمكم الله فقال لي إمامهم : الشهادة الثالثة هي أن تشهد أنّ أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغرّ المحجّلين علي بن أبي طالب والأئمّة الأحد عشر من ولده أوصياء رسول الله وخلفاؤه من بعده بلا فاصلة ، قد أوجب الله طاعتهم على عباده وجعلهم أولياء أمره