ونهيه وحججا على خلقه في أرضه وأمانا لبريته لأنّ الصادق الأمين محمدا رسول ربّ العالمين أخبرهم عن الله تعالى مشافهة من نداء الله عزوجل له عليهالسلام في ليلة معراجه إلى السماوات السبع وقد صار من ربّه كقاب قوسين أو أدنى وسمّاهم له واحدا بعد واحد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ، فلمّا سمعت مقالتهم هذه حمدت الله سبحانه على ذلك وحصل عندي أكمل السرور وذهب عليّ تعب الطريق من الفرح وعرّفتهم أنّي على مذهبهم فتوجّهوا إليّ توجّه إشفاق وعيّنوا لي مكانا في زوايا المسجد وما زالوا يتعاهدوني بالعزّة والإكرام مدّة إقامتي عندهم ، وصار إمام مسجدهم لا يفارقني ليلا ولا نهارا فسألته عن ميرة (١) أهل بلده من أين تأتي إليهم فإنّي لا أرى لهم أرضا مزروعة ، فقال : تأتي إليهم ميرتهم من الجزيرة الخضراء من البحر الأبيض من جزائر أولاد الإمام صاحب الأمر (عج) فقلت لهم : تأتيكم ميرتكم في السنة؟ فقال : مرّتين وقد أتت مرّة وبقي الاخرى فقلت : كم بقي حتّى تأتيكم؟ قال : أربعة أشهر ، فتأثّرت لطول المدّة ومكثت عندهم مقدار أربعين يوما أدعو الله ليلا ونهارا بتعجيل مجيئها وأنا عندهم في غاية الإعزاز والإكرام ، ففي آخر يوم من الأربعين ضاق صدري لطول المدّة فخرجت إلى شاطئ البحر أنظر إلى جهة المغرب التي ذكر أهل البلد أنّ ميرتهم تأتي إليهم من تلك الجهة فرأيت شبحا من بعيد يتحرّك فسألت عن ذلك الشبح أهل البلد وقلت لهم : هل يكون في البحر طير أبيض فقالوا لي ، لا فهل رأيت شيئا؟ قلت : نعم ، فاستبشروا وقالوا : هذه المراكب التي تأتي إلينا في كل سنة من بلاد أولاد الإمام ، فما كان إلّا قليل حتّى قدمت تلك المراكب وعلى قولهم إنّ مجيئها كان في غير الميعاد فقدم مركب كبير وتبعه آخر وآخر حتّى كملت سبعا فصعد من المركب الكبير شيخ مربوع القامة بهيّ المنظر حسن الزي ودخل المسجد فتوضّأ الوضوء الكامل على الوجه المنقول عن أئمّة الهدى وصلّى الظهرين ، فلمّا فرغ من صلاته التفت نحوي مسلّما عليّ فرددت فقال : ما اسمك؟ وأظنّ أنّ اسمك علي؟ قلت : صدقت ، فحادثني باللين محادثة من يعرفني فقال : ما اسم أبيك ويوشك أن يكون فاضلا؟ قلت : نعم ، ولم أكن أشكّ في أنّه قد كان في صحبتنا من دمشق الشام إلى مصر فقلت : أيّها الشيخ ما أعرفك بي وبأبي؟ هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق؟ فقال : لا ، قلت : ولا من مصر إلى
__________________
(١) الميرة : الطعام.