بقوله : «ودبت له في موطن الحلم علة» لما له من تأثير بليغ في النفس ، إذ الصدر موضع الحلم وغيره من الصفات. فالكناية «بموطن الحلم» عن الصدر كناية عن «موصوف» لأن الصدر يوصف بأنه موطن الحلم وغيره.
وإذا تأملنا تراكيب الكناية في هذه الأمثلة وهي «بحيث يكون اللب والرعب والحقد» و «موطن الأسرار» و «موطن الحلم» رأينا أن كل تركيب منها كني به عن ذات لازمة لمعناه ، لذلك كان كل منها «كناية عن موصوف» ، وكذلك كل تركيب يماثلها.
* * *
كناية النسبة : ويراد بها إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه ، أو بعبارة أخرى يطلب بها تخصيص الصفة بالموصوف.
١ ـ ومن أمثلة ذلك قول زياد الأعجم في مدح ابن الحشرج :
إن السماحة والمروءة والندى |
|
في قبة ضربت على ابن الحشرج |
فزياد بهذا البيت أراد ، كما لا يخفى ، أن يثبت هذه المعاني والأوصاف للممدوح واختصاصه بها. ولو شاء أن يعبر عنها بصريح اللفظ لقال : إن السماحة والمروءة والندى لمجموعة في الممدوح أو مقصورة عليه ، أو ما شاكل ذلك مما هو صريح في إثبات الأوصاف للمذكورين بها.
ولكنه عدل عن التصريح إلى ما ترى من الكناية والتلويح ، فجعل كونها في القبة المضروبة عليه عبارة عن كونها فيه ، فخرج كلامه إلى ما خرج إليه من الجزالة وظهر فيه ما أنت ترى من الفخامة. ولو أن الشاعر خطر له أن يعبر عن معناه هنا بصريح اللفظ ، لما كان له ذلك القدر من الجمال الذي تطالعنا به هذه الصورة المبهجة من خلال البيت.