فإن كلّا سبب لندرة حضور المشبه به في الذهن ، أو لقلة تكرره على الحس ، كما مر من تشبيه الشمس بالمرآة في كف الأشل ، فقد يقضي الرجل دهره ولا يتفق له أن يرى مرآة في يد الأشل. فالغرابة في هذا التشبيه من وجهين هما : كثرة التفصيل في وجه الشبه ، وقلة التكرار أو الورود على الحس.
التشبيه المقلوب
التشبيه المقلوب هو جعل المشبه مشبها به بادعاء أن وجه الشبه فيه أقوى وأظهر.
وأبو الفتح عثمان بن جني في كتابه الخصائص (١) يسمي هذا النوع من التشبيه «غلبة الفروع على الأصول» ويقول : «هذا فصل من فصول العربية طريف ، تجده في معاني العرب ، كما تجده في معاني الأعراب. ولا تكاد تجد شيئا من ذلك إلا والغرض فيه المبالغة.
فمها جاء فيه ذلك للعرب قول ذي الرمة :
ورمل كأوراك العذارى قطعته |
|
إذا ألبسته المظلمات الحنادس (٢) |
أفلا ترى ذا الرمة كيف جعل الأصل فرعا والفرع أصلا؟ وذلك أن العادة والعرف في نحو هذا أن تشبه أعجاز النساء بكثبان الأنقاء أي الرمال ، ألا ترى إلى قوله :
__________________
(١) كتاب الخصائص لابن جنى ج ١ ص ٣٠٠ ، مطبعة دار الكتب المصرية.
(٢) ألبسته : غطته ، والحنادس : جمع حندس ، والحندس : اشتداد الظلمة ، وقد ذهب بها مذهب الوصف.