طرفا التشبيه
طرفا التشبيه هما المشبه والمشبه به ، وهما ركناه الأساسيان ، وبدونهما لا يكون تشبيه.
ولعل قدامة بين جعفر هو أول من بحث التشبيه بحثا أقرب إلى المنهاج العلمي ، فأساس التشبيه عنده أن يقع بين شيئين بينهما اشتراك في معان تعمّهما ويوصفان بها ، وافتراق في أشياء ينفرد كل واحد منهما بصفتها.
وهو يبني قوله هذا على أساس أن الشيء لا يشبّه بنفسه ولا بغيره من كل الجهات ، لأن الشيئين إذا تشابها من جميع الوجوه ، ولم يقع بينهما تغاير البتة اتّحدا ، فصار الاثنان واحدا. وإذا كان الأمر كذلك ، فأحسن التشبيه عنده هو ما وقع بين الشيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما فيها ، حتى يدنى بهما إلى حال الاتحاد (١).
وقد تابع أبو هلال العسكري قدامة في رأيه القائل بأن الشيئين إذا تشابها من جميع الوجوه ، ولم يقع بينهما تغاير البتة اتحدا ، فصار الاثنان واحدا ، وذلك إذ يقول : «ويصح تشبيه الشيء بالشيء جملة ، وإن شابهه من وجه واحد ، مثل قولك : وجهك مثل الشمس ، ومثل البدر ، وإن لم يكن مثلهما في ضيائهما ولا عظمهما ، وإنما شبّه بهما لمعنى يجمعهما وإياه وهو الحسن. وعلى هذا قول الله عزوجل : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ،) إنما شبّه المراكب بالجبال من جهة عظمها لا من جهة
__________________
(١) انظر نقد الشعر لقدامة ص ٧٧ ـ ٧٨.