في الجو. ووجه الشبه في كليهما محذوف ، ولهذا فهو تشبيه مجمل.
ومن التشبيه المجمل ما وجه شبهه ظاهر يفهمه كل أحد حتى العامة كالمثال السابق ، وكقولنا : زيد أسد ، إذ لا يخفى على أحد أن المراد به التشبيه في الشجاعة دون غيرها.
ومن التشبيه المجمل ما وجهه خفيّ لا يدركه إلّا من له ذهن يرتفع عن طبقة العامة ، كقول فاطمة بنت الخرشب عند ما سئلت عن بنيها أيهم أفضل فقالت : «عمارة ، لا بل فلان ، لا بل فلان. ثم قالت : ثكلتهم إن كنت أعلم أيّهم أفضل. هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها».
فمعنى ذلك أن أبناءها لتناسب أصولهم وفروعهم وتساويهم في الشرف يمتنع تعيين بعضهم فاضلا وبعضهم أفضل منه ، كما أن الحلقة المفرغة لتناسب أجزائها وتساويها يمتنع تعيين بعضها طرفا وبعضها وسطا.
فتشبيه أبناء بنت الخرشب بالحلقة المفرغة تشبيه مجمل ، ووجه شبهه المحذوف هو تعذر بل استحالة تعيين أوليّة أو أفضلية أشياء متناسبة متساوية ، أو هو التناسب المانع من تمييز يصح معه التفاوت. فهذا الوجه المحذوف والذي يشترك فيه طرفا التشبيه أمر خفيّ لا يستطيع إدراكه إلا من له ذهن يرتفع عن طبقة العامة ، كما ذكرت آنفا.
ومن التشبيه المجمل ما لم يذكر فيه وصف المشبه ولا وصف المشبه به ، أي الوصف المشعر بوجه الشبه ، ومن هذا النوع : تشبيه إيماض السيوف بالبوارق ، وتشبيه زيد بالأسد السابقين.
ومنه ما يذكر فيه وصف المشبه به وحده ، كتشبيه عجاج الخيل بالسحاب المظلم ، وتشبيه أبناء بنت الخرشب بالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها.