أنه قد تقرر في أصل الفائدة المستنتجة من التشبيه أن يشبّه الشيء بما يطلق عليه لفظة أفعل ، أي يشبه بما هو أبين وأوضح ، أو بما هو أحسن منه أو أقبح ، وكذلك يشبه الأقل بالأكثر ، والأدنى بالأعلى.
وهذا الموضع لا ينقض هذه القاعدة لأن الذي قدمنا ذكره مطرد في بابه وعليه مدار الاستعمال. وهذا غير مطرد وإنما يحسن في عكس المعنى المتعارف ، وذاك أن تجعل المشبه به مشبها ، والمشبه مشبها به. ولا يحسن في غير ذلك مما ليس بمتعارف ؛ ألا ترى أن من العادة والعرف أن تشبه الأعجاز بالكثبان ، فلما عكس ذو الرمة هذه القضية في شعره جاء حسنا لائقا ، وكذلك فعل البحتري ، فإن من العادة والعرف أن يشبه الوجه الحسن بالبدر ، والقد الحسن بالقضيب ، فلما عكس البحتري القضية في ذلك جاء أيضا حسنا لائقا.
ولو شبه ذو الرمة الكثبان بما هو أصغر منها غير الأعجاز لما حسن ذلك ، وهكذا لو شبه البحتري طلعة البدر بغير طلعة الحسناء ، والقضيب بغير قدّها لما حسن ذلك أيضا.
وهكذا القول في تشبيه عبد الله بن المعتز صورة الهلال بالقلامة ؛ لأن من العادة أن تشبه القلامة بالهلال ، فلما صار ذلك مشهورا متعارفا حسن عكس القضية فيه» (١).
* * *
ومن أمثلة التشبيه المقلوب قول ابن المعتز :
والصبح في طرّة ليل مسفر |
|
كأنه غرّة مهر أشقر (٢) |
__________________
(١) كتاب المثل السائر ص ١٦٤.
(٢) طرة الشيء : طرفه ، وليل مسفر : دخل في الإسفار وهو ظهور الفجر ، والغرّة : بياض في ـ جبهة الفرس ، والمهر الأشقر : الأحمر الشعر.