وهذا حديث كذب موضوع ، قال الحكيم الترمذي : هذا من الأحاديث الّتي تنكرها القلوب ، وهو حديث مسروق مفتعل ، لا يروّج إلّا على جاهل (١).
وأورده ابن الجوزي في الموضوعات بزيادة على ذلك ، وقال : هذا لا يشكّ أحد في وضعه (٢).
__________________
(١) لم نعثر على كلام الترمذي هذا رغم التتبّع الكثير.
(٢) الموضوعات ١ : ٢٩٣ ، لكنّه لم يذكر دليلا على أنّ الحديث موضوع. نعم ، ذكر أمرين وهما لا يصلحان للحكم على الحديث بالوضع ، وهما : الأول : ركّة الأشعار ، والثاني : أنّ راويه هو الأصبغ بن نباتة وقال : هو لا يساوي شيئا!!
أمّا الأول : فيردّه أنّ الثعلبي والخوارزمي والقرطبي ، إضافة إلى علماء الإمامية ، قد رووا الحديث مع الأبيات الشعرية ، وكلّهم معروف بالأدب ونظم الشعر ، ولم يصفها أحد منهم بالرّكة ، مضافا إلى ذلك أنّ مسألة تقييم الشعر أمر ذوقي ، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة جدا ، فقد حكم على أشعار بالرّكة ، وحكم غيرهم عليها بالفصاحة والجزالة ، وبالعكس.
وأمّا الثاني : وهو قوله : إنّ الأصبغ بن نباتة لا يساوي شيئا ، فيردّه : أنّ العجلي قال عنه : «كوفي تابعي ثقة ، وروى له ابن ماجة». (تهذيب الكمال ٣ : ٣١٠ ، وتهذيب التهذيب ١ : ٣٢٩).
والظاهر أنّ تضعيف ابن الجوزي وغيره له إنّما هو لأجل كونه من شيعة علي ومن خلّص أصحابه ، وكان من شرطة أمير المؤمنين عليهالسلام. قال ابن سعد : «كان شيعيا ، وكان على شرطة علي». وقال ابن حبّان : «فتن بحبّ علي فأتى بالطامّات ، فاستحقّ الترك». راجع تهذيب التهذيب ١ : ٣٢٩.
ويبدو أنّ تضعيفهم لأجل مذهب الرجل ، لا أنّه في نفسه ضعيف ، ويؤكّده أنّ العجلي وثّقه ، وابن ماجة أيضا ، وإلّا لما روى له في السنن.
وقول ابن كثير في البداية والنهاية ٥ : ٣٥١ : «إنّ الحديث موضوع ؛ لأنّ هذه السورة مكّية ، والحسن والحسين ولدا في المدينة»!! مردود ؛ لتسالم العلماء على أنّ السورة مدنية.
قال السيوطي في الدرّ المنثور ٨ : ٣٦٥ «أخرج ابن ضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة الإنسان بالمدينة».
وقال الثعالبي في التفسير ٥ : ٥٢٧ : «قال الحسن وعكرمة : منها آية مكّية ، والباقي مدني».
وقال الشوكاني في فتح القدير ٥ : ٣٤٣ : «قال الجمهور : هي مدنية».
وفي معالم التنزيل للبغوي ٥ : ٣٠٧ : «قال مجاهد وقتادة : مدنية ، وقال الحسن وعكرمة : هي مدنية إلّا آية ، وهي قوله : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) ..».
وفي شواهد التنزيل ٢ : ٤٢٣ : «وما أنزل الله بالمدينة : المطفّفين والبقرة والأنفال و...... وهل أتى على