فالعالم يحتاج في الوجود إلى الغير ، وهذا الغير إن كان واجبا فهو المطلوب وإلّا لزم أن ينتهى إليه ؛ لبطلان الدور والتسلسل.
أما بطلان الدور فلأنه تقدم الشيء على نفسه ومعناه وجود الشيء قبل وجوده وهو محال لأنه اجتماع النقيضين. وأما بطلان التسلسل ؛ فلأن جميع آحاد تلك السلسلة ممكنة لذاتها ومحتاجة في الوجود إلى الغير ، وتكثر الآحاد الممكنة لا يقلب الممكنات عن ذاتياتها كما أن تكثر آحاد الصفر لا يوجب انقلابها إلى الأرقام فالسلسلة المفروضة محتاجة في الوجود إلى موجد ليس بممكن ، بل هو واجب الوجود.
ويمكن أيضا تقريب هذا البرهان بنحو أخصر وهو أن يقال :
علة الممكن منحصرة في أربعة : العدم ونفس الممكن ومثله وواجب الوجود وحيث أن الثلاثة الاول باطلة بقي الأخير.
أما بطلان الأول : فلأن العدم لا يكون واجدا لشيء حتى يعطيه. وأما بطلان الثاني : فلأن الشيء قبل وجوده ليس إلّا عدما والعدم لا يصلح للعلية كما عرفت. وأما بطلان الثالث : فلأنه مثل نفس الممكن في الحاجة إلى الغير في الوجود فكيف يمكن له أن يوجد بدون انتهائه إلى الواجب ويعطي الوجود؟ ثم لا فرق في كون المثل شيئا واحدا أو أشياء متعددة ، منتهية كانت أو غير منتهية ؛ لأن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد ، فانحصر أن يكون العلة هو واجب الوجود ولعل قوله عزوجل : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) (١) يشير إلى ذلك.
وقد عرفت أن خلقة الممكن بدون استناده إلى الواجب المتعال ترجع إلى خلقته من العدم ومن غير شيء ، وهو محال فانحصر الأمر إلى استناد الخلقة إليه
__________________
(١) الطور : ٣٥.