تعالى حتى تكون الخلقة مستندة إلى شيء وهو حقيقة الوجود.
ثم لا يخفى عليك أن المستدل بهذا البرهان أراد إثبات أصل الواجب في مقابل من ينفيه رأسا ، وأما أن الواجب واحد أو متعدد مجرد أو مادي متحد مع صفاته أو غير متحد ، فهذه مباحث محتاجة إلى الإثبات بالتدريج كما صرح الاستاذ الشهيد المطهري ـ قدسسره ـ في ذيل هذا البرهان (١).
نعم هذا البرهان كما يدل على حاجة الممكن في حدوثه إلى المبدأ المتعالي ، كذلك يدلّ على حاجته إليه في بقائه ؛ لاستمرار العلة وهي الإمكان الماهوي.
وأما الثاني أي الإمكان الوجودي فقد ذهب إليه جملة من المحققين منهم المحقق السبزواري في منظومته وشرحه (٢) وتقريبه بأن يقال : إنا إذا نظرنا إلى الوجود العيني فهو لا يخلو عن أحد أمرين : إما هو واجب بمعنى أنه في نهاية شدة الوجود الملازمة لقيامه بذاته واستقلاله بنفسه بحيث لا يشوبه عدم ولا نقص ويكون صرف الوجود الذي لا أتم منه. وإما هو ممكن بمعنى أنه فقير ومتعلق بالغير بحيث لا يستقل في شيء من وجوده عن الغير ، بل هو مشروط ومتقيد في أصل وجوده وكماله بالغير.
وذلك ـ أي انحصار الوجود في الوجوب والممكن المذكورين ـ لأن الوجوب أو الإمكان بالمعنى المذكور شأن من الشئون القائمة بالوجود وليس الوجود خارجا عنهما.
فحينئذ نقول : فإن كان الموجود الخارجي هو الأول فهو المطلوب ، وإن كان الثاني فهو لا ينفك عن وجود الواجب المتعال ؛ لأن وجود المتعلق والفقير
__________________
(١) راجع شرح المنظومة : ج ٢ ص ١٢٨.
(٢) راجع شرح المنظومة : ص ١٤١ حيث قال في شرح قوله في الشعر «إذ الوجود ان كان واجبا فهو ومع الامكان قد استلزمه» : أو على سبيل الاستقامة بأن يكون المراد بالوجود مرتبة من تلك الحقيقة فاذا كان هذه المرتبة مفتقرة الى الغير استلزم الغني بالذات دفعا للدور والتسلسل.