فصل
فأمّا الجهاد الذي ثَبتت به قواعدُ الإسلام ، واستقرّت بثبوتها شرائعُ الملّة والأحكام ، فقد تَخَصَّصَ منه أميرالمؤمنين عليهالسلام بما اشتهر ذكره في الأنام ، واستفاض الخبرُ بهُ بين الخاصّ والعامّ ، ولم تختلفْ فيه العلماء ، ولا تَنازَعُ في صحّته الفُهَماء ، ولا شَكّ فيه إلاّ غُفْل لم يَتَامَّل الأخبارَ ، ولا دَفَعَه ممّن نظر في الآثار ، إلاّ معاندٌ بَهات لا يَستحيي من العار.
فمن ذلك ما كان منه عليهالسلام في غَزاة بدر المذكورة في القرآن ، وهي أوّلُ حرب كان بها الامتحانُ ، وملأت رَهْبَتُها صدورَ المعدودين من المسلمين في الشجعان ، وراموا التاخّرَ عنها لخوفهم منها وكَراهتهم لها ، على ما جاء به مُحكم الذِكر في التبيان ، حيثُ يقول ـ جلّ جلاله ـ فيما قصّ به من نبأهم (١) على الشرح والبيان ( كَمَا اَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ باِلحَقِّ وَاِنَّ فَريقأ مِنَ اْلمؤمِنينَ لَكَارِهُونَ *يُجَادِلُونَكَ في الحق بَعْدَ مَا تَبَينِّ كَاَنَّمَا يُسَاقوُنَ اِلَى المَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ) (٢) في الآي المتصلة بذلك الى قوله تعالى : ( وَلاَ تَكَوُنوا كَآلَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ ألنّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبيلِ أللّه وَأللّه بمَا يَعْمَلوُنَ محيطٌ ) (٣) إِلى آخر
ــــــــــــــــــ
(١) في « م » و « ح » وهامش « ش » : نياتهم.
(٢) الأنفال ٨ : ٥ ـ ٦.
(٣) الأنفال ٨ : ٤٧.