مستقبله بعيدا عن العائلة. الشباب يختارون حياة زوجية او حياة منحرفة حتى لو عارض الابوان ذلك » (١).
وهذه الحياة الجديدة التي افرزتها التجربة الرأسمالية غيرت النظرة الانسانية في المجتمع الصناعي تجاه الزواج والاسرة. فالعوائل الكبيرة التي كان يرأسها جد الاسرة تحولت الى عوائل صغيرة تضم الاب والام وطفليهما ، ونظام تعدد الزوجات استبدل بنظام الزوجة الواحدة ، والبيوت الكبيرة التي كانت تضم بين جدرانها عوائل متعددة استبدلت بوحدات سكنية تضم عوائل صغيرة ، والتزاوج بين الاقارب استبدل بالتزاوج عن طريق العمل والمؤسسات التعليمية. واصبحت القاعدة في الزواج في المجتمع الرأسمالي ، الميول نحو الاختيار الشخصي القائم على الاعجاب ، والكفاءة ، والثقافة ، والجمال. وبذلك انحسر العامل الاقتصادي الذي كان محور التزاوج في المجتمع الريفي الاوربي.
وتبدل الشكل العائلي في المجتمع الرأسمالي من العصر الزراعي الى العصر الصناعي له عوامله الخاصة التي جعلت فكرة التغيير سبباً اساسياً حسماً في تثبيت اسس النظام الاقتصادي الرأسمالي. ولولا ضعف الاسرة الكبيرة وانفراط عقدها لما نجح النظام الرأسمالي في تنويع وزيادة الانتاج. فالاسر الصغيرة ايسر للانتقال الجغرافي من منطقة الى اخرى حسبما يقتضيه العمل في حقول الانتاج. والعامل في المجتمع الرأسمالي ينتقل حيثما وجد عملاً مناسباً يهيئ له عيشة رغيدة. فاذا كان ذلك العامل مرتبطاً باسرة كبيرة ، اصبح ارتباطه عائقاً في التكسب : ولذلك مالت الكفة الاجتماعية نحو
__________________
١ ـ ( بتي يوربيرك ). دور الغريزة الجنسية في التغير الاجتماعي. نيويورك : وايلي ،١٩٧٤ م. ص ٥٣.