الدولة والنظام ساهم في انشاء وانتشار العوائل الصغيرة القائمة على قاعدة « الزوجين واطفالهما » فقط. وبذلك تحقق حلم النظام الرأسمالي بزيادة الانتاج الصناعي عن طريق تحطيم الاواصر العائلية في العشيرة والعائلة الكبيرة ، واستبدالها بنظام العوائل الصغيرة التي تستطيع الانتقال جغرافيا بسرعة من مكان لآخر حسبما تتطلبه العملية الانتاجية.
ومن اسباب التبدل في شكل الاسرة الرأسمالية ايضاً ، ان الابناء الذين كانوا في المجتمع الزراعي رصيدا اقتصادياً للعمل والانتاج ، اصبحوا في الاسرة الرأسمالية عبئاً اقتصادياً على الابوين. فالابوان مكلفان باطعام وكسوة وتعليم ابنائهما من الطفولة وحتى البلوغ. وبعد البلوغ ، وعندما يصبح الفرد قادرا على التكسب والاستقلال ، يمسي همه الاكبر الانفصال عن ابويه لانشاء اسرة صغيرة جديدة. وهذا التوجه العام يفسر سبب ميول الابوين نحو انشاء اسر صغيرة ذات عدد محدود من الابناء ، لان كثرة الابناء ليس لها مردود اقتصادي على الاسرة ، فالابناء المنتجون ينفصلون عن ابويهم بعد بلوغهم ومباشرتهم العمل خارج البيت. وهذا التوجه الرأسمالي الحديث يناقض الفكرة الكاثوليكية القائلة بحرمة تحديد النسل.
وفوق كل ذلك ، فان السبب الرئيسي الحاسم في تبدل شكل الاسرة الرأسمالية هو فكرة « الحرية الفردية » ، فالفرد مكلف باشباع حاجاته وتحقيق طموحاته الشخصية ، وليس مكلفاً باشباع حاجات الآخرين. وهذه « الفردية » هي اساس الفكرة الرأسمالية في العمل والانتاج. فالفرد هو محور كل الافكار والتوجهات الاجتماعية. بل ان كل الخدمات الاجتماعية ينبغي ان تتوجه ـ حسب رأي النظرية الرأسمالية ـ نحو تسهيل حياة ذلك