وما خلا هؤلاء كنا نشاهد كل يوم ، ونحن سائرين في النهر ، أعدادا كبيرة منهم منتشرين فيه ، والبعض منهم يستخدم جلودا منفوخة بالهواء ليقطع بها النهر ولا سيما حين يكون واسعا في بعض الأماكن ولا يمكن إقامة جسر فوقه حيث لم نر أي جسر إطلاقا. وتراهم يخلعون قمصانهم وهم لا يرتدون شيئا آخر سواها ثم يكورونها ويربطونها بأحزمتهم الجلدية فوق رؤوسهم ويخفون فيها خناجرهم الجميلة العريضة المنحنية التي تشبه المنجل يعلقونها في صدوغهم.
مرّت الليلة التاسعة من رحلتنا في مرح وقد أصبحنا على مقربة تامة من مدينة «الرقة» التي تعود إلى السلطان التركي (١). غير أن فرحتنا لم تدم طويلا. فقبل أن نتناول الطعام وبعض الفواكه من أمثال الزبيب والتين والبطيخ لنبرد به غلتنا إزاء وهج الحر الشديد ، تعرضنا مرة أخرى لخطر أكبر من الخطر الذي أصابنا قبلا ، ذلك أن سفينتنا ، وهي الكبرى ، ما لبثت أن شلهت فرست على الرمل ، ولم نستطع إعادتها إلى الماء ، وتسييرها في الاتجاه الصحيح فيه دون مساعدة الآخرين ، وإذ ذاك اضطررنا إلى الاستعانة بالأعراب ولما كان هؤلاء يحملون خناجرهم
__________________
حياة الاستقرار وممارسة الزراعة وغيرها. ولذلك فإن وصفه للعرب بالكسل والفاقة ، ينطوي على غلط مشين ، لأنه لو توفرت لديهم وسائل الاستقرار في ذلك الوقت لما ألفوا حياة التنقل والتجوال.
(١) الرقة وتسمى نقفور ونسفوريم يذكر العرب عنها أنها كانت حاضرة ديار مضر في بلاد الجزيرة اسمها القديم كالينيكوس Kallinikos.
ذكر المؤرخ «أبيان» أن الذي بنى هذه المدينة هو سلوقس خليفة الإسكندر الكبير في العراق وسوريا وقد أخذت اسمها هذا من سلوقس الثاني كالنكوس الذي شيدها سنة ٢٤٢ ق. م. نزل العرب المسلمون الرقة سنة ١٨ ه (٦٣٩ م) بقيادة «عياض بن غنيم» وقد سلم بطريق المدينة مفاتيحها إلى المسلمين ففتحوها صلحا.