وفي المساء وقبل أن يسدل الظلام سدوله ، شاهدت على الجانب الآخر من أرض الرافدين حصنا يقوم على تل مرتفع يدعونه «تبيل» (١) يعود إلى أحد الأمراء العرب ، وهو حصين وواسع جدّا تقوم على أسواره عدة أبراج ، شبيه بقلعة حلب ، كما لا حظت ذلك عن بعد.
مكثنا الليل في جزيرة قريبة من الشاطىء الأيمن ، وكدنا أن نتعرض للسرقة لو لم يكن لدينا حراس. وكنا نراقب اللصوص ، ونطلق بعض العيارات النارية التي لم نقصد بها إصابتهم بل إخافتهم حسب ، ذلك لأننا لو قتلنا أو جرحنا أحدا منهم لارتفع صراخهم ، ولربما تجمعوا بالألوف انتقاما منا لرفيقهم وإذ ذاك ينهالون علينا وينهبون كل ما لدينا من متاع وهم متشوقون لمثل ذلك جد التشوق.
ولقد حدث الشيء ذاته في اليوم التالي حين نزلنا جزيرة غير مأهولة وسط النهر فلم نطلق عياراتنا النارية في تلك الليلة كيلا ندعهم يتحسسون مواقعنا وينقضون علينا ، ومع ذلك فحين قررنا أن نظل ساكنين وأن نستريح في هدوء تام ، ألموا بمواقعنا فأقبلوا في جماعات أكثر من ذي قبل ، واقتربوا بحيث كنا نسمعهم وكانوا يتحدثون إلينا ، وإذ وجدناهم جادين في مهاجمتنا ، نهضنا من أماكننا وتهيأنا للأمر وهتفنا بهم بأصوات عالية ننذرهم من مغبة أي اعتداء ينوون توجيهه ضدنا وإلا فسنجابههم بمقاومة أشد مما يتوقعونه ، وحين وجدنا أن تحذيرنا ذاك لم يكن مجديا اضطررنا إلى أن نسحب بنادقنا ، وكنا نحتفظ بثلاث منها ، فأطلقنا الرصاص الذي أخافهم ، لأنهم لم يعتادوه ، فولوا الأدبار هاربين وتركونا مطمئنين (٢).
__________________
(١) المعتقد أن هذا الحصن الذي أطلق عليه راوولف اسم (تابر (Taber هو الحصن الذي تقوم عنده الآن قرية «تبيل» شرقي الفرات على مقربة من مدينة «الرقة».
(٢) يصف المؤلف بعد هذا في جملة سطور ، العرب بالكسل وبشدة العوز وقد فاته أن الأعراب الذين شاهدهم في طريق رحلته جلهم من البدو المتنقلين والذين لم يألفوا