من الأرض المزروعة وفيها من السكان العرب أكثر مما شاهدناه قبلا ، وقد نزل ربان سفينتنا إلى إحدى القرى ليشتري لنا بعض الأطعمة لسفرتنا المقبلة حيث اعتاد السكان أن يجلبوا إلينا اللحم والبطيخ لبيعه لنا.
حدث هنا في منتصف الليل أن خرج أحد الجنود الأتراك إلى شاطىء النهر للاستمتاع وحين كان منشغلا بذلك زحف أحد الأعراب إليه فألقى به في النهر وهرب قبل أن يتبينه ، وراح ذلك التركي يصرخ وسط النهر طالبا النجدة. ولقد سمعت أنا ، حين كنت أقوم بمهمة الحراسة في تلك الليلة ، صراخه فأسرعت وبندقيتي في يدي وأنا أتعقب صوته حتى وصلت إلى مكانه ، وإن كان مظلما إلا أنني استطعت أن أتبينه وأن أسحبه من الماء وآتى به إلى السفينة. ولقد سر جميع الأتراك بذلك لأنني تحركت بكل قواي لصالحهم فراحوا يزجون علي الثناء طوال الطريق إلى أن وصلنا بغداد حيث مقر الحامية التي أرسلوا لتعزيزها.
في اليوم الأول من تشرين الأول ، وقد استمرت رحلتنا ، أقبل سعاة البريد في الصباح الباكر إلى جانب النهر وكانوا ستة من العرب يمتطون الخيول ، ليستفسروا منا عما إذا كان شيخهم قد رحل من هناك ، وأين يمكنهم العثور عليه إذ إنهم كانوا يحملون إليه رسائل من السلطان ولا بد لهم أن يتعقبوه إلى أن يجدوه. وقد أنبأهم ربان السفينة (وهو الشخص الذي يتوجه كل امرىء بالسؤال إليه) بأننا قد شاهدناه في إقليم يدعى (الخابور) (١) وقد ارتحل عنه مع رجاله متوجها إلى الجزيرة العربية وفي مقدورهم أن يعثروا عليه هناك. وبعد هذه الاستفسارات غادرنا السعاة بينما واصلنا نحن مسيرتنا فشاهدنا أمامنا وعلى بعد ، مدينة على الجانب
__________________
(١) سماه المؤلف Amanchar «أمانشور» وهو تحريف واضح لأن هذا أقرب الأسماء إلى الخابور في نظرنا ، ولأن هذا الإقليم أو السهل بعبارة أصح من مواطن الأعراب المعروفة في تلك البقاع حتى اليوم.