الأيمن من النهر تدعى (سكرية) (١) تخضع لحكم أمير العرب قال الأتراك عنها إنه لا يسكنها أحد سوى كبار اللصوص وهم لا يخضعون لأي سيد آخر سوى سيدهم.
ولقد مررنا بهذه المدينة واتجهنا مباشرة نحو «الدير» وهي مدينة أخرى ، فأصبحنا على مسافة ثلاثة فراسخ.
والعرب لا يقيسون المسافات بالفراسخ لأنهم لا يعرفون سوى القليل عنها بل قد لا يعرفونها قط ، وإنما يحسبون المسافات بأيام السفر. وسبب ذلك أن مدنهم تقع على مسافات بعيدة يضطرون إزاءها إلى الغوص في أعماق الفيافي عدة أيام قبل أن يصلوا إلى تلك المدن.
قبل أن نبلغ تلك المدينة راحت إحدى سفننا تجري بسرعة نحو جانب واحد متجهة إلى أحد فروع النهر الذي يمر بالمدينة (حيث ينقسم النهر هنا إلى عدة فروع) وسرعان ما غطست في الطين وتوقفت عن السير. وما إن رأى الربان ذلك حتى نزل من السفينة التي كان فيها حالا ، وأرسل رجاله لمساعدة رجال السفينة المتوقفة. وهنا توفر لي بعض الوقت لفحص النباتات والأشجار القائمة عند الشاطىء حيث شاهدت الكثير من الطرفاء ونوعا خاصا من الصفصاف يسميه السكان باسمه العربي القديم وهو «الغرب» وهذه الأشجار عالية وتنتشر بكثرة وأغصانها أقوى وأكثر لينا حيث تصنع منها المرابط والمشدات بالشكل الذي نفعله نحن في بلادنا.
أما شجرة الكينا فهي ذات لون أصفر شاحب وأوراقها من ذات اللون طويلة عرض الواحدة منها زهاء أصبعين. ولما كنت قد وجدت هذا الشجر جافا بلا زهر فلست أستطيع أن أقول شيئا عن أزهاره وأثماره (وقد أشار ابن سينا إلى ذلك في الفصلين ١٢٦ و ٦٨٦ من كتابه).
__________________
(١) سكرية ذكرها راوولف باسم «سكارد» Seccard وهذا الاسم يطلق على موقعين سكرية الكبيرة وسكرية الصغيرة.