رفض التركي الذي يقود السفينة الموسقة بالقمح ، أن يتوقف إلى أن نخرج السفينة الغاطسة من الوحل ، وواصل سفره ، ولكن سرعان ما تحطمت سفينته تلك وفقد قدرا كبيرا من القمح الذي يريد إيصاله إلى بغداد التي كان يسميها باسم (بلداك) ليبيعه هناك نظرا لقلة الغلة فيها بسبب انحباس الأمطار وعدم سقوطها طيلة سنتين ونصف السنة. ومع ذلك ، وكما قالوا ، فإن المطر إذا ما سقط مرتين أو ثلاثا في السنة كان ذلك كافيا لمسرة القوم وإسعادهم.
بعد أن كافح رجالنا لأكثر من ساعة حتى أفرغوا السفن من حمولتها عادوا إلينا ثانية كيما نبدأ حركتنا في تلك الليلة إلى مدينة «الدير». غير أن بعض الصخور كانت تعترض طريق السفينة ، وكان المرور فيما بينها ينطوي على مخاطرة. ولذلك ما إن فهم بعض ملاحي السفينتين الأخريين عمق الماء حتى اقبلوا لمساعدتنا حيث استطعنا الخروج من المنطقة الخطرة بسلام.
تقع مدينة «الدير» ، وهي ليست كبيرة وتخضع لحكم السلطان ، على هذا الجانب من النهر فوق مرتفع (١). وتقوم فيها مساكن حسنة البناء. وقد وقف عدد كبير من الناس لمشاهدتنا ونحن ندخل إلى المدينة وكانت أسوارها والخنادق المحيطة بها شاخصة للعيان.
وحين وصولنا لأول مرة ظننا أن في مستطاعنا أن نتفاهم مع موظف الكمرك حول المكس المفروض على سلعنا ونتحرك ثانية ، لكننا لم نجده في المدينة فاضطررنا إلى أن نمكث فيها مدة ثلاثة أيام انتظارا لمقدمه إليها. وفي الوقت ذاته تعرفنا إلى سكان المدينة وقد وجدناهم حسني الصور أصحاء الأبدان كثيري الجشع لكنهم مع ذلك كانوا أكثر انتظاما وتأدبا من غيرهم. فقد كانوا يزوروننا من دون كلفة ، ويتحدثون إلينا
__________________
(١) يقصد المؤلف بعبارة «هذا الجانب من النهر» الضفة اليمنى منه.