كنا نعتقد أننا من هناك سوف نصل «الرحبة» (١) التي تخضع لحكم أمير العرب ، إلا أننا توقفنا في ملاحتنا وإذ ذاك هبطنا على مقربة من القلعة بعد حلول الظلام حيث استأنفنا في صباح اليوم التالي مسيرتنا إلى المدينة ، وكانت هذه كبيرة نسبيّا وتقع على مسافة نصف فرسخ عن النهر وفي أرض خصبة جدّا وقد مكثنا فيها حتى اليوم التالي لنبيع فيها بعض السلع بينما تجول اثنان من رفاقنا في داخل المدينة لدعوة التجار فيها إلى المقايضة معهم.
بعد أن أمضينا ذلك اليوم كله تحركنا في صباح اليوم التالي نحو «شارة» (٢) وهي قرية صغيرة تقع على الضفة اليمنى من النهر وعلى بعد نصف فرسخ عنه وتخضع لحكم أمير هذه المنطقة العربية ، وقد هبطنا إليها لندفع الرسم المعتاد. وكنت وأنا في السفينة أشاهد على جوانب النهر عددا كبيرا من الأشجار والنباتات التي لم أستطع أن أتبين أنواعها لبعدها عني.
ومن «شارة» سارت سفينتنا سيرا منتظما ولأيام عدة. وكان النهر في الغالب يمر وسط صحارى رملية واسعة كتلك التي مررنا بها قبلا ، وهي تمتد إلى مسافات شاسعة لا نستطيع أن ندرك نهايتها ، وكلها أراض قاحلة لا أثر للزرع أو الشجر أو النبات فيها. وهذا ما جعل تلك الصحاري تسمى بحق «بحار الرمال» والتي يتوقع المرء أن يجابه فيها بالأعاصير كما يحدث ذلك في البحار تماما ، وتثور فيها أمواج الرمال كأمواج البحار حقّا. ولهذا يعتمد السائرون في قوافل كبيرة عبر هذه الصحارى على أدلاء
__________________
(١) الرجة كتبها المؤلف باسم الرشبي Arrachby عرفت قديما باسم «رحبت» و «رحبة» أسسها مالك بن طوق التغلبي في عهد خلافة المأمون وتسمى نسبة إليه رحبة مالك بن طوق.
(٢) شارة وتعرف الآن باسم تل الشارة تقع في جنوبي مصب نهر الخابور في نهر الفرات وكانت من مواطن العموريين قديما.