وغالبا ما يحدث أن تقوم اثنتان من هذه المكائن في موضعين متقاربين فتشغلان بذلك مساحة واسعة من النهر بحيث كان يصعب علينا المرور بسفينتنا خلالها إلا بحذر شديد من جانب الربان لنستطيع المرور دون التعرض إلى خطر الاصطدام.
والسبب في وجود هذا العدد الكبير من هذه المكائن هناك أن النهر لا يفيض (كما هو شأن نهر النيل) فيغمر الأراضي ، ولأن المطر لا يسقط فيها بكميات تكفي لإنبات البذور وزراعة البساتين ، ولذلك يقدم أهل هذه البلاد على إنشاء هذه المكائن والدواليب المائية حيث تقام كل ثلاثة أو أربعة منها مجتمعة ، الواحدة منها خلف الأخرى في عرض النهر فتدور ليل نهار ، وبذلك ترفع الماء من النهر وتفرغه في قنوات خاصة أعدت لهذا الغرض وبقصد إرواء كل الأراضي.
ولكن إذا لم تكن الأرض ملائمة ، وكان الشاطىء مرتفعا كثيرا يحول دون نصب هذه المكائن ، فإن القوم يعتاضون عنها بآلات أخرى يديرها زوج من الثيران لرفع الماء من النهر في أوعية جلدية كبيرة تكون مفرطحة في القسم العلوي ، وضيقة عند القعر.
وتمتاز هذه الأراضي بكثرة ثمارها. ذلك لأننا سرعان ما وجدنا كميات كبيرة من الفواكه اللذيذة التي ابتعناها بقليل من النقود ، وكان من بينها البطيخ الشهي الطعم جدّا.
وحين تقدمنا في مسيرتنا شاهدنا الأراضي القائمة على ضفتي النهر وقد زرعت كلها بالذرة التي يكثر السكان من زراعتها بكميات أوسع من الحنطة أو الشعير إذ إن الرمال العميقة الغور تحول دون زراعة الحنطة فيها بشكل جيد. وقد وجدنا هذه الذرة قد حان حصادها بل إنها حصدت فعلا في أماكن أخرى قبل هذا الوقت. وتشتهر الذرة بسوقها العالية التي يبلغ ارتفاع الواحدة منها ما بين ستة وثمانية أذرع ، وأوراقها أشبه بأوراق القمح الهندي أو قصب السكر. وقد تناولته لأول مرة ووجدت السكان