عشر من تشرين الأول. كان يمتد أمامنا ريف مخضوضر مثمر تناثرت فوقه بعض الدور الجميلة هنا وهناك بشكل متقارب ، فما نكاد نمر أمام واحد من هذه الدور حتى نشاهد الثاني ببساتينه وحدائقه التي تحيط بها أشجار النخيل الجميلة وأشجار أخرى غيرها مما لم أستطع تمييزه منها لأنها كانت تمتد إلى مسافات بعيدة ، وعلى هذا المنوال لمسنا تغييرا كبيرا. فالفيافي المقفرة التي كانت تضم مساحات شاسعة حتى النهر تكاد لا ترى شجرة واحدة فيها طيلة مسيرة يوم واحد ، هذه الفيافي قد تحولت في نهاية مدينة عنه إلى أرض خصبة ، فغدت الرحلة خلالها مفرحة جدّا سيما وأننا لم نعد نخشى من خطر الأعراب علينا. على أن ربان السفينة كانت تبدو عليه علائم الاضطراب الشديد لأن النهر كان عند الضفاف مغلقا عادة بصخور كبيرة تجعله يرتفع عاليا وذلك بسبب وجود عدد كبير من مكائن أو دواليب الماء الضخمة المرتفعة (١) حيث تطرح تلك الصخور في النهر كيما تحصر الماء فيندفع بقوة إلى تلك الدواليب ويحركونها.
__________________
وقائمة. وذكرها بطليموس في جغرافيته باسم «ادكارا» كما ذكرها اميانوس باسم «دياكيارا» وبلغ من أهمية هيت في العصور القديمة بسبب وجود القير فيها ، أن الملك سرجون الأكدي توجه إليها بنفسه لتقديم القرابين إلى الإله «داغان» الذي أقيم معبده هناك.
(١) هذه الدواليب هي المعروفة بالنواعير ، جمع ناعورة ، وهي من الآلات التي يرفع بها الماء من النهر لغرض الزراعة وكانت منتشرة على ضفاف نهر الفرات بقدر أكثر مما هي عليه في دجلة ولكن عددها تناقص في السنين الأخيرة نتيجة استخدام المضخات البخارية بدلا منها ومع ذلك ما تزال مناطق عنه في العراق وحماة في سوريا تحتفظ بعدد من هذه النواعير. وتتألف الناعورة من عجلة حديدية مرتفعة تقام فوق خندق ماء عند ضفة النهر وتربط بها أوعية حديدية تحمل الماء فحين يمر تيار النهر في الخندق يحرك العجلة فتدور وإذ ذاك تمتلىء الأوعية بالماء حتى إذا ارتفعت إلى أعلى انسكب ما فيها من الماء في ساقية تروى بها المزارع والحقول.