كان ربان السفينة نشطا وحمسا أكثر من ذي قبل. وكان يحث ملاحيه على مواصلة الجدف ، ولا سيما حين يكون النهر عريضا وعميقا أشبه بالبحر ، وهكذا وصلنا ، بعد حلول الظلام بقليل إلى «جبة» وهي مدينة حسنة البناء تعود إلى الأتراك ويقسمها النهر أيضا إلى قسمين يقع أحدهما وسط النهر على أرض مرتفعة يقوم في قمتها حصن وبذلك تكون المدينة محصنة تحصينا قويّا.
أما القسم الثاني وهو أكبر من الأول فإنه يقع على الشاطىء الأيسر في أرض العراق (١) ويضم بساتين كثيرة يملكها أصحاب الدور ، وهي غنية بأشجار النخيل ، ولذلك أنفق التجار نصف النهار في هذا القسم لشراء التمر والتين واللوز لينقلوه معهم إلى الخان ، وقد فعلوا الشيء ذاته في «هيت» وهي مدينة كبيرة أخرى تقع على الضفة اليمنى من الفرات فوق أرض مرتفعة ، وقد بلغناها في العشرين من تشرين الأول وفي وقت حسن من الليل.
ويقايض التجار هذه الأثمار التي يشترونها بقوالب الصابون والسكاكين والورق وغيره ، وتلك هي السلع التي يطلبها أهل هذه المدن منهم. ولقد أعطيناهم صحائف من الورق الأبيض تقبلوها بفرح كبير وشكرونا على ذلك كثيرا.
وبعد أن أكتفى تجارنا من شراء هذه المواد ، ودفع ربان سفينتنا الرسم المطلوب ، أقلعنا ظهر يوم الحادي والعشرين من الشهر مستأنفين رحلتنا.
وفي المساء شاهدنا على الجانب الأيمن من النهر طاحونة كما
__________________
(١) خيل إلى الرحالة راوولف أن العراق يبدأ من الضفة اليسرى لنهر الفرات في حين أن حدود العراق الحقيقية كانت تتجاوز مدينة «دير الزور» التي تدخل الآن ضمن الأراضي السورية وديار بكر الداخلة اليوم في الأراضي التركية.