شاهدنا أخرى مثلها صباح اليوم التالي ، وجملة من الجدران والأبواب والقناطر القديمة ، عرفت منها أنه كانت تقوم في هذا المكان قبلا إحدى المدن. وقد علمت أن تينك الطاحونتين كانتا تستعملان لطحن بارود البنادق للسلطان التركي. وكان هذا البارود يرسل إليه في قوافل مع سلع أخرى عبر الأراضي التابعة لأمير العرب ، حيث ينبغي للسلطان ، مثل بقية التجار ، أن يدفع الرسم عن ذلك البارود.
وبارود المدافع هذا لا يصنع من ملح البارود (١) مثلما يجري ذلك عندنا في أوروبا وإنما يستخرج من عصير شجرة من نوع الصفصاف يسميه الفرس (فير) بينما يدعوه العرب باسم «الغرب» كما أشرت إلى ذلك قبلا. فهم يقطعون الأغصان الصغيرة من هذه الأشجار وأوراقها فيحرقونها ويحولونها إلى مسحوق يلقون به في الماء إلى أن تنفصل ذرات الملح عنه وإذ ذاك يصنعون منه بارود المدافع ، ومع ذلك فهذا البارود ليس قويّا كالذي نصنعه نحن في بلادنا. ولقد أكد ذلك المؤرخ «بليني» في الفصل العاشر من الجزء الحادي والثلاثين من كتابه إذ قال «إن الناس في الأيام السالفة كانوا يستخلصون «النيتر» (٢) من أشجار البلوط».
وذلك أمر محقق فعلا لأن استعمال البارود في تلك الأيام لم يكن واسعا قبل أن تخترع المدافع مثلما هو عليه الآن.
كذلك شاهدت على ضفاف النهر الغالية كثيرا من نبات (الحنظل) (٣) لم أستطع أن أتحقق منه عن بعد ، إلا أنه لا يزال حتى الآن معروفا لدى السكان باسمه العربي القديم وهو «الحنظل».
__________________
(١) ملح البارودSalt ـ Peter يقصد به مادة نترات البوتاس التي تدخل بصفة رئيسة في صناعة البارود.
(٢) النيترNitre ,Niter هي نترات البوتاس أو آزوتات البوتاسيوم وتسمى ملح البارود أيضا.
(٣) الحنظل ذكره باسم Coloquinis ويعرف بالإنكليزية باسم Colocynth.