وقد نزلنا هنا في النزل الكبير الموجود في المدينة والذي يسمونه «كروان صاري» حيث خصصت لنا إحدى الغرف فيه ، لكننا لم نجد فيها أية موائد أو كراسي أو مقاعد أو أسرة وإنما مدت على الأرض حصيرة من القصب المضفور لتعوض عن كل تلك الأدوات. ولقد ابتعنا من سوق المدينة بعض الأطعمة حسب رغبتنا وأمضينا الليل كله هناك.
وهذه المدينة التي يعتبرها البعض مدينة «أفاميا» (١) القديمة كبيرة وحسنة البناء تقع في واد بين التلال ، ولذلك لا تستطيع أن ترى شيئا منها ، قبل قدومك إليها ، سوى القلعة الحصينة الواقعة على أحد التلال. ومن حواليها بساتين وحقول كثيرة ترتوي من مياه نهر «العاصي» (٢) الواسع نوعا ما والذي يمر عبر المدينة.
ويرفع القوم الماء من النهر عن طريق النواعير التي تقوم داخل النهر ذاته لهذا الغرض ، وتفرغ الماء في أقنية تحمله إلى البساتين والحدائق فتنتعش به رغم شدة حرارة الشمس. ولقد وددت أن أتفرج على هذه البساتين لكن رفاقي كانوا مسرعين في سفرهم ، وعلى هذا غادرنا المدينة صباح اليوم التالي متوجهين إلى حلب.
شاهدنا على امتداد الطريق حقولا واسعة للقمح وبساتين كثيرة للكروم وأخرى زرعت بالأقطان التي تجلب من هذه الأصقاع وتباع لنا في أوروبا وهي تحمل اسم البلد الذي تنمو فيه ، بالإضافة إلى الحرائر والسلع الأخرى التي تشترى هناك في الدرجة الأولى.
__________________
(١) أفامياApamia من المدن التي أنشأها سلوفس نيقاتور خليفة الإسكندر المقدوني في سوريا وتعرف الآن باسم قلعة المضيق وقد دمرتها الزلازل سنة ١١٥٢ م. كما أنشأ سلوقس في العراق مدينة بنفس الاسم.
(٢) ذكره المؤلف باسم هاسي Hasce خطأ وهو من الأنهار الشهيرة في سوريا وقد أخطأ المؤلف أيضا في تحديد موقع نهر العاصي ذلك لأن النهر الذي يمر خلال دمشق هو نهر بردى ، وليس نهر العاصي.