ذاك شاهدنا عن يسارنا مدينة «سرمين» (١) وهي على مسافة بعيدة عنا ، وعلى مقربة منها وحواليها غابة كثيفة من أشجار الفستق الذي يجمعونه هناك ويبعثون به إلى طرابلس ومن ثم يصدره التجار منها إلى بلادنا الأوروبية. وتنمو هذه الأشجار على مقربة من الطرق الخارجية وعلى الأخص عند قرية «باسيلو» (٢) التي مكثنا فيها طيلة الليل.
مررنا في طريقنا بتسعة أو عشرة خانات وهي عبارة عن منازل مفتوحة تدخلها القوافل والمسافرون عند المساء عادة لتمضية الليل فيها ويكون المبيت فيها مجانا ، لكنك لا تعثر فيها لا على اللحم ولا على الشراب. فإذا ما أردت أن تصيب شيئا منهما فإن عليك أن تجلبهما معك ، وأن تقنع بالمنام على كومة من القش ، فإن لم تحصل على ذلك فإنك تنام على إحدى الدكاك التي تحيط بكل جدران الخان ، والتي يوضع عليها العلف الذي تتناوله الخيل والحمير والإبل.
والمعتاد أن تكون المسافة بين خان وآخر ثلاثة أميال ، وتكون هذه الخانات واسعة منتظمة ، جدرانها حصينة مثل جدران القلاع ، وتبنى على شكل مربع عادة وفي وسطها باحة كبيرة تحيط بها زرائب مفتوحة أشبه بالقلايات في الأديرة.
ويحتفظ البعض من هذه الخانات بحامية تتألف من تسعة أو اثني عشر من الجند الإنكشاريين ، وذلك لإبقاء الطرق أمينة ولحماية المسافرين من هجمات السكان والأعراب.
بعد أن واصلنا السير في عدة جبال وعرة ، وأصبحنا على مقربة من
__________________
(١) سرمين Sermin تعرف الآن باسم «أدلب» وهي من المدن القديمة تمتاز بوجود جامع فيها مؤلف من تسع قباب.
(٢) باسيلو لم نستطع أن نعثر على الاسم الحقيقي لهذه القرية.