هذا الماء لتشربه ، يقدمون إليك مرآة لتنظر إلى نفسك فيها ولتتذكر بأنك هالك وإنك ميت لا محالة!
وهم لا يطلبون إزاء هذه الخدمة أي شيء منك. أما إذا ما منحتهم شيئا ما تقبلوه منك شاكرين ، ورشوا على وجهك ولحيتك من ماء يحملونه في أقداح زجاجية مطوقة بسلاسل نحاسية ، إظهارا بهذا مدى شكرانهم لك.
وكذلك يعتبر الأتراك والعرب أن من المودة والإحسان أن يضعوا أمام دورهم حبابا مليء بالماء العذب طيلة النهار بحيث يستطيع أي مار أو ظامىء أن يطفىء ظمأه من مائها ، إذ يعلقون بهذه الحباب كؤوسا لتناول الماء بها فإذا ما أقبل أحد الناس إلى هذه الحباب وشاهده الآخرون ، لحقوا به ورووا ظمأهم منها. ولذلك تجد في الغالب حشدا من الناس عند هذه الحباب.
أما إن فكرت في تناول طعام أو شراب فإنك تجد عادة حانوتا مفتوحا لهذا الغرض تجلس فيه على الأرض أو على السجاد وتتناول ما تريده من طعام وشراب.
من بين الأشربة التي يتعاطونها في هذه البلاد ، شراب حسن جدّا يسمونه «قهوة» أسود اللون كالجير تماما ، وهو مفيد جدّا للمرض ولا سيما أمراض المعدة!.
والقوم يتناولون هذا الشراب في باكر الصباح وفي أماكن مفتوحة أمام كل الناس دون أدنى خوف أو اعتبار. وهم يصبونه في أقداح صينية وهو جد ساخن فيرفعون القدح إلى شفاهم لكنهم لا يتناولون منه سوى شفة واحدة بين آونة وأخرى. وتدار عليهم هذه الأقداح حين يجلسون وهم يضعون في هذا الماء ثمرة يدعونها «البن» (١) هي في حجمها وشكلها
__________________
(١) ذكره المؤلف باسم بنروBunru.