من أرجلهم أمامه فيسقط وإذ ذاك يهزأون به ويضحكون عليه. على أن بعض المسيحيين ما إن يشاهدوا ذلك حتى يرفسوا الرجل الأخرى التي استند عليها التركي ويدعونه يسقط على الأرض.
ومن المعتاد أيضا أن يحاول الأتراك اختبار المسيحيين لمعرفة حقيقة معدنهم وما إذا كانوا من الشجعان أم لا ، للتأكد من ذلك قبل التحرش بهم حيث يواجهونهم أول الأمر بكلمات خشنة ، فإذا ما وجدوهم يشعرون بالخوف سخروا منهم واغتصبوا ما عندهم. أما إذا ما أبدوا مقاومة سامحوهم في الحال وعدوهم من الشجعان اللائقين لدخول غمار الحروب.
كذلك تجد بين هذا الحشد جملة من المحافظين على النظام وهم «السقاة» وهؤلاء يكونون عادة من الحاج الذين حجوا إلى «مكة» (١). فهؤلاء السقاة يحملون ماء الشرب في أوعية جلدية ويتصدقون به على كل من يحتاج إليه بما في ذلك المسيحيون.
ولما كان محظورا في القرآن على المسلمين شرب الخمور ، فإنك تجد الكثيرين من هؤلاء السقاة يتمسكون بعوائد خاصة. فتراهم يتنقلون ـ بدافع من إيمانهم ـ طيلة النهار بين الناس يقدمون الماء للعطاش منهم بدافع من المحبة والإحسان ويحمل الواحد منهم في إحدى يديه قدحا يصب فيه الماء من الأوعية الجلدية التي يحملونها ويضعون فيها عادة العقيق الأبيض (٢) وحجر اليشب (٣) وغيرهما. كما يضعون في بعض الأحيان فواكه لذيذة كيما يظل الماء عذبا ومنعشا وحين يناولونك شيئا من
__________________
(١) يبدو أن المؤلف قد فهم من مناداة الناس للساقي بلقب «الحاج» أن هؤلاء من الحجاج حقا. والواقع أنهم ليسوا كذلك أبدا فلربما كانت كلمة حاج تطلق على كل شخص كما تطلق الآن كلمة «سيد» مثلا.
(٢) العقيق الأبيض Chalcedonick.
(٣) اليشب Jaspir.