شأنا في الحديث ، وبعد ذلك اعتماده على الشيخ الذي يروي مثل هذا الحديث في محلّه ، ولو كانوا من غير الشيعة أو من المقدوحين لصرّح بهم.
احتمال آخر : من المحتمل أن يكون بناء القدماء على الأخذ بأصالة الصدق والعدالة مبنيا على أصالة البراءة ، واعتماد العقلاء بخبر الواحد ، وبنائهم على العمل به ما لم يصدر منه ما يوجب الفسق. والمراد من الأصل المعوّل عليه هنا : أصل العدم ، واستصحاب العدم ، فيستصحب عدم صدور الكبيرة منه ويبنى على عدم صدورها منه ما دام لم يحرز ذلك بالوجدان أو التعبّد ، ولا بأس بذلك ، فلا حاجة إلى إثبات العدالة ، سواء كانت عبارة عن الملكة أو حسن الظاهر.
وبعبارة اخرى نقول : لمّا كان اعتبار العدالة وإحرازها في جواز الأخذ بأخبار المخبرين موجبا لتعطيل الامور ، وتضييع كثير من المصالح لقلّة من يحرز عدالته ، استقرّ بناء العقلاء على العمل بخبر الواحد الذي لم يحرز صدور ما يوجب الفسق منه ، وما يوهن الاعتماد عليه ، ولم يكن في البين قرينة حالية تدلّ على رفع اليد عن نبئه ، وآية النبأ (١) إنّما تدلّ على وجوب التبيّن في خبر الفاسق ، أي الذي جاوز الحدّ ، وصدرت منه الكبيرة ، دون من لم تصدر منه الكبيرة ، وأحرز ذلك بالوجدان أو بالأصل ، وهذا الاحتمال قويّ جدّا ؛ لأنّا نرى : أنّ العقلاء لا يزالون يعملون بخبر غير المتّهم بالكذب والفسق ، وإنّما يردّون من الخبر ويضعّفون الإسناد إذا كان المخبر فاسقا ، ثبت صدور الفسق منه ، أو بعلل اخرى لا ترجع إلى عدم إثبات عدالة الراوي.
__________________
(١) الحجرات : ٦.