الذي يستفاد منه الترغيب إلى الإخلاص في المحبّة وكمال التوحيد فيها وما ذكره من الآيات ناشئ من عدم التأمّل في المراد من الطائفتين من الآيات والأحاديث ، فالطائفة الاولى تنظر إلى مقام اندكاك كلّ محبّة ومحبّة كلّ شيء في محبّة الله ، فلا محبوب للمحبّ إلّا هو ، فكلّ حبّ ومحبّ يفنى عنده ، فلا يرى شيئا ، ولا يحبّ أحدا سواه ، ولا يلتفت إلى رؤيته ما سواه وحبّه ما سواه كما إذا كان الإنسان مشغول القلب بالتفكّر في أمر ينسى ما سواه حتّى نفسه ، وحتّى ينسى اشتغاله بالتفكّر فيه ، ولمّا كان موسى عليهالسلام في هذا المشهد العظيم مشتغل القلب بأمر أهله لأنّه جاء ليقتبس نارا ، وأمرهم بالمكث لأن يأتيهم منها بقبس ، أمره تعالى بأن يفرغ قلبه له ولما يوحى إليه في هذا المشهد المقدّس ، فالوصول بهذه المرتبة الرفيعة يناسب ترك الاشتغال بغير الله تعالى والتوجّه إلى غيره وإلى محبّة الأهل والولد ، وعلى هذا الشأن وأعلى مرتبته كان رسول الله صلىاللهعليهوآله في حال نزول الوحي إليه وغيره من الحالات المقتضية لذلك ، فالشئون متفاوتة ، والمشاهد والمقامات المتعالية القدسية لا تقاس مع غيرها من الشؤون والمقامات التي لا بدّ للنبي والولي التلبّس بها ، ولا يجوز في الحكمة ترفّعهما عنها ، بل هما مأموران بهما ، متقرّبان بهما إلى الله تعالى.
وأمّا المشهد الذي هو مشهد ظهور محبّة الله والانقطاع إليه ، ومشهد التشرّف بتكليم الله تعالى يقتضي ترك الاشتغال بغيره ، وفناء كلّ حبّ وحبيب فيه ، ولذا أسرع موسى بعد ذلك إلى الذهاب إلى فرعون امتثالا لأمره وترك أهله على حالهم ، وهذا شأن ترفع فيه النفس الإنسانية إلى أعلى المراتب الروحانية والقدسية الملكوتية.