وأمّا شأنه في حال يوصف بحسبه بحبّ الأهل والمال والولد ، ويشتغل بحبّهم وملازماته ، فهو أيضا شأن من شئونه ، ولكن ليس اشتغاله بالله كاشتغاله به في الشأن الأول ، فاشتغاله به في الأول يتحصّل له بغير واسطة ، وفي الثاني شغله به يتحقّق بواسطة غيره ، ويجوز في هذا المقام الجمع بين الحبّين.
وبعبارة اخرى نقول : فعليّة اشتغال القلب بمحبّة الله في مشهد من مشاهد القرب ومعراج الانس تنافي اشتغاله الفعلي بمحبّة غير الله والتوجّه به ، كما أنّ فعلية اشتغال القلب بحبّ النساء لا تجتمع مع الاشتغال الفعلي التام بحبّ الله تعالى. وإن شئت الشاهد لذلك فعليك بالرجوع إلى الأدعية ، ففي ذيل دعاء عرفة المنسوب : «أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّى لم يحبّوا سواك ، ولم يلجئوا إلى غيرك» هذا ، ولا يخفى عليك قصور عباراتنا عن بيان حقيقة هذه المنازل والمشاهد ، سيّما إذا كان النازل فيها وشاهدها الأنبياء والأولياء.
وثانيا : ما ذكره من أنّ المذموم حبّ يوجب مخالفة أمره تعالى ونهيه صحيح لا ريب فيه ، أي لا يترتّب على حبّ غيره إذا لم يؤدّ إلى مخالفة أوامره ونواهيه عقاب وذمّ مولوي ، والآية (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ) (١) ناظرة إلى ذمّ هذا الحبّ المؤدّي إلى العصيان والمخالفة ، وأمّا غيره فلم يكلّف الله عباده بتركه وإن رغّبهم بالجهاد لترك بعض أنواعه كما رغّبهم إلى بعض أنواعه الاخرى ، إلّا أنّه لا ريب في أنّ شغل القلب بالله تعالى ، والانصراف من كلّ شيء إلى الله ، والانقطاع به ممدوح شرعا ، وكلّما كان ملازمة النفس بذكر الله تعالى ومداومته به
__________________
(١) التوبة : ٢٤.