أقوى وأتمّ كان العبد إلى الله أقرب ، ولو كان جائزا في حكمة الله تعالى أن لا ينصرف عبده إلى غيره ممّا يتوقّف به نظام العالم ويدور مداره ابتلاء الخلق ، لكان اللازم على العبد أن لا ينصرف منه إلى غيره.
فعلى هذا نقول : إنّ حبّ الأهل والمال والولد ليس مذموما بالإطلاق ، إلّا أنّ الاشتغال التامّ بالله تعالى ، وشغل القلب بمحبّته في بعض الأحوال ، ومثل المقام الذي تشرّف به موسى على نبيّنا وآله وعليهالسلام ممدوح ، بل لازم من لوازم العبودية ومعرفة الربوبية ، وينبئ عن ذلك كلّه قوله صلىاللهعليهوآله : «لي مع الله وقت لا يسعه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل» (١) ، وقوله في الحديث القدسي : «أنا جليس من ذكرني» (٢) ، وقوله صلىاللهعليهوآله : من ذكر الله في السوق مخلصا عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه كتب الله له ألف حسنة ، ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر» (٣).
وثالثا : دعواه ـ أنّ جعل «نعليك» كناية واستعارة عن حبّ الأهل مجاز يحتاج إلى قرينة ، ولا قرينة فيها ـ أنّ الظاهر أنّ هذه الاستعارة كانت معهودة عند أهل اللسان ، بل وغيرهم من سائر الألسنة ، ولذلك حكي : أنّ أهل تعبير الرؤيا يعبّرون النعلين بالأهل ، وفقدانها بفقدان الأهل (٤) ، مضافا إلى أنّه يكفي في القرينة كون النعلين من اللباس ، وإطلاق اللباس
__________________
(١) انظر البحار : ج ١٨ ص ٣٦٠.
(٢) الوسائل : ج ١ ص ٢٢٠ نقلا عن الفقيه والتوحيد والعيون ، وفي ج ٤ ص ١١٧٧ نقلا عن الكافي.
(٣) الوسائل : ج ٤ ص ١١٩٠ نقلا عن عدّة الداعي.
(٤) راجع تعطير الأنام في تعبير المنام : ج ٢ ص ٣٠٦ ، وتفسير الأحلام لابن سيرين المطبوع بهامش تعطير الأنام : ج ٢ ص ٢٢٨.