ووجّهت معه غلاما ، فأحضر راحلته ، وأقام عندي يومه ذلك ، وأكل من طعامي ، وحدّثني بكثير من سرّي وضميري ، فقلت له : على أيّ طريق تأخذ؟ قال : أنزل إلى هذه النجفة ، ثمّ آتي وادي الرملة ، ثم آتي الفسطاط فأركب إلى الخلف إلى المغرب ، فلمّا كان من الغد ، ركب راحلته وركبت معه حتّى صرنا إلى دار صالح ، فعبر الخندق وحده وأنا أراه ، حتّى نزل النجف وغاب عن عيني.
الثالث : عنه ، قال : حدّث أبا بكر محمّد بن أبي دارم اليمامي (أحد مشايخ الحشوية) بحديثيه المتقدّمين ، فقال : هذا حقّ ، جاءني منذ سنيات ابن اخت أبي بكر بن البجالي العطّار ـ وهو صوفي يصحب الصوفية ـ فقلت : من أنت؟ وأين كنت؟ فقال : أنا مسافر منذ سبع عشرة سنة ، فقلت له : فأيّ شيء أعجب ما رأيت؟ فقال : نزلت بالاسكندرية في خان ينزله الغرباء ، وكان في وسط الخان مسجد يصلّي فيه أهل الخان وله امام ، وكان شابّ يخرج من بيت له غرفة فيصلّي خلف الإمام ويرجع من وقته إلى بيته ، ولا يلبث مع الجماعة فقلت ـ لمّا طال ذلك عليّ ، ورأيت منظره شاب نظيف عليه عباء ـ : أنا والله احبّ خدمتك والتشرّف بين يديك ، فقال : شأنك ، فلم أزل أخدمه حتّى أنس بي الانس التام ، فقلت له ذات يوم : من أنت أعزّك الله؟ قال : أنا صاحب الحقّ ، فقلت له : يا سيدي متى تظهر؟ فقال : ليس هذا أوان ظهوري وقد بقي مدّة من الزمان ، فلم أزل على خدمته تلك وهو على حالته من صلاة الجماعة وترك الخوض في ما لا يعنيه ـ إلى أن قال ـ : أحتاج إلى السفر ، فقلت له : أنا معك ، ثم قلت له : يا سيدي متى يظهر أمرك؟ قال : علامة ظهور أمري كثرة الهرج والمرج والفتن ، وآتي مكّة فأكون في المسجد