فمن بغانا حائداً عن الرشد |
|
وكافراً بدين جبّار صمد |
فقاتل حتّى سقط عن فرسه إلى الأرض وبه رمق فمشى إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر ، فقال له الحسين : « رحمك الله يا مسلم ». ثمّ قال عليهالسلام : ( فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (١) ، ودنا منه حبيب وقال : يعزّ علَيّ مصرعك يا مسلم ، فأبشر بالجنّة.
فقال له قولاً ضعيفاً : بشّرك الله بخير.
فقال له حبيب : لولا أعلم أنّي في الأثر لأحببت أن توصي إلَيّ بجميع ما أهمّك.
فقال له مسلم : إنّي أوصيك بهذا خيراً ـ وأشار بيده إلى الحسين عليهالسلام ـ فقاتل دونه حتّى تموت.
فقال له حبيب : لأنعمنّك عيناً. ثمّ مات رحمهالله.
قال : وصاحت جاريته : يا سيّداه ، يا ابن عوسجاه. فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين : قتلنا مسلم بن عوسجة. فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله : ثكلتكم أمّهاتكم ، أما إنّكم تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلّون عزّكم ، أتفرحون بقتله ؟ ولقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستّة من المشركين قبل أن تلتئم خيول المسلمين (٢).
ثمّ برز من بعده عمرو بن قرظة الأنصاري واستأذن الحسين عليهالسلام ، فأذن له فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء ، وبالغ في خدمة سلطان السماء ، حتّى قتل جمعاً كثيراً من اللعناء ، وجمع بين سداد وتقى ، وكان لا يأتي إلى الحسين عليهالسلام سهم إلاّ اتّقاه بصدره ، ولا سيف إلاّ تلقّاه بنحره ، فما وصل إلى الحسين سوء حتّى أثخن
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ : ٢٣.
(٢) ورواه الخوارزمي في المقتل : ٢ : ١٥ مع اختلاف في بعض الألفاظ.
ورواه الطبري في تاريخه : ٥ : ٤٣٥ ، وابن الأثير في الكامل : ٤ : ٦٨ ، والسيّد في الملهوف : ص ١٦١.