بطن نونة يونس معراجاً ، واتّخذ سبيله في البحر منهاجاً ، بالحبّ نال إبراهيم خلّة الرحمان ، وبه برد عليه لهب النيران ، بالحبّ سعى موسى للجذوة ، ففاز بشرف النبوّة ، وبه نودي من وادي طوى : « لا تخف انّني أنا الله الأعلى » ، بالحبّ كلّم بلا ترجمان ؛ ولا حجاب عن العيان ، وبه أضحى عيسى روحاً ، ونفخ في الطين روحاً ، وكفى الحبّ رفعة ما جاء في الذكر الحكيم والقرآن الكريم : ( ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) (١).
وليس الحبّ ما ذهب إليه الأوهام من جهّال الأنام ؛ أنّه التشبّب بالوجوه الحسان ، والأصغاء إلى أصوات رنّات العيدان ، أو أنّه شيء يحصل بالعزلة عن الناس ، أو [ ي ] تيسّر بلبس رَثّ اللباس ، كلاّ وربّ الراقصات ومن برأ الذرّات.
إنّما المراد بالعشق هو محمّد بن عبد الله النبي الهاشمي ، والمعشوق هو الله جلّ وعلا ، والعاشق الحقيقي عليّ المرتضى ، فمحمّد الواسطة بين العاشق والمحبوب ، وهو العلّة في الوجود وطبيب القلوب ، فوجود محمّد صلىاللهعليهوآله سابق لوجود جميع المخلوقين ، وعلّة لإيجاد المصوّرين ، حيث قد خوطب ب : « لولاك لما خلقت الأفلاك ».
وكذلك ما روي عن أمير المؤمنين وسيّد المسلمين عليهالسلام إذ قال : « أوّل ما خلق الله ربّ العالمين نور محمّد سيّد المرسلين ، وأشرف النبيّين ، قبل خلق الماء والطين والعرش والكرسي والسماوات والأرضين والجنان والنيران واللوح والقلم وحوّى وآدم والحجب والبحار والنباتات والأشجار بثمانين ألف عام ، ثمّ قال له : يا عبدي أنت المراد وأنا المريد ، وأنت خيرتي من خلقي ، وعزّتي وجلالي لولاك ما خلقت الأفلاك ، فمن أحبّك أحببته ، ومن أبغضك أبغضته (٢) ».
__________________
(١) سورة فصّلت : ٤١ : ١١.
(٢) بحار الأنوار : ج ٥٧ ص ١٩٨ باب حدوث العالم وبدء خلقه من كتاب السماء والعالم : ح