__________________
ودوابّهما وغلمانهما ومَن معهما شرّ قتلة.
قال : فورد البريد إلى مَديَن ، فلمّا شارفنا مدينة مَديَن قدّم أبي غلمانه ليرتادوا له منزلاً ويشتروا لدوابّنا علفاً ولنا طعاماً.
فلمّا قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا وشتمونا ، وذكروا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وقالوا : لا نزول لكم عندنا ، ولا شراء ولا بيع يا كفّار ، يا مشركين ، يا مرتدّين ، يا كذّابين ، يا شر الخلائق أجمعين.
فوقف غلماننا على الباب حتّى انتهينا إليهم ، فكلّمهم أبي وليّن لهم القول وقال لهم : اتّقوا الله ولا تغلطوا ، فلسنا كما بلغكم ، ولا نحن كما تقولون ، فاسمعونا. فأجابوه بمثل ما أجابوا الغلمان ، فقال لهم أبي : فهبنا كما تقولون ، افتحوا لنا الباب وشارونا وبايعونا كما تشارون وتبايعون اليهود والنصارى والمجوس.
فقالوا : أنتم أشرّ من اليهود والنصارى والمجوس ، لأن هؤلاء يؤدّون الجزية وأنتم لا تؤدّون.
فقال لهم أبي : افتحوا لنا الباب وانزلونا وخذوا منّا الجزية كما تأخذون منهم.
فقالوا : لا نفتح ولا كرامة لكم حتّى تموتوا على ظهور دوابّكم جياعاً نياعاً ، وتموت دوّابكم تحتكم. فوعظهم أبي فازدادوا عتوّاً ونشوزاً.
قال : فثنى أبي رجله عن سرجه ثمّ قال لي : مكانك يا جعفر ، لا تبرح. ثمّ صعد الجبل المطلّ على مدينة مدين ، وأهل مدين ينظرون إلى ما يصنع ، فلمّا صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة وحده ثمّ وضع إصبعيه في أذُنيه ، ثمّ نادى بأعلى صوته : ( وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ـ إلى قوله عزّ وجل ـ بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) [ هود : ١١ : ٨٤ ـ ٨٦ ] ، نحن والله بقية الله في أرضه.
فأمر الله تعالى ريحاً سوداء مظلمة ، فهبّت واحتملت صوت أبي فطرحته في أسماع الرجال والنساء والصبيان ، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلاّ صعد السطوح وأبي مشرف عليهم.
وصعد فيمن صعد شيخ من أهل مديَن كبير السِنّ ، فنظر إلى أبي على الجبل ، فنادى بأعلى صوته : اتّقوا الله يا أهلَ مَديَن ، فإنّه وقف الموقف الذي وقف فيه شُعيب عليهالسلام حين دعا على قومه ، فإن أنتم لم تفتحوا له الباب ولم تنزلوه جاءكم من الله العذاب وأتى عليكم ، وقد أعذر من أنذر. ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا.