وخرج الرشيد لعنه الله في تلك السنة إلى الحجّ وبدأ بالمدينة فقبض على أبي الحسن عليهالسلام (١).
وروي عن محمّد بن الحسن المعروف بالورّاق ، عن محمّد بن أحمد بن السمط قال : حدثني الرواة المذكورون أنّ موسى بن جعفر عليهماالسلام كان في حبس هارون الرشيد بمسجد المسيّب من الجانب الغربي بباب الكوفة ، لأنّه قد نقل إليه من دار السندي بن شاهك وهي الدار المعروفة بدار ابن عمرويه ، وكان قد فكّر الرشيد في قتله بالسّم ، فدعا بالرطب وأكل منه ، ثمّ أخذ صينيّة ووضع فيها عشرين رطبة وأخذ سلكاً ففركه (٢) بالسمّ وأدخله في سمّ الخياط وأخذ رطبة من تلك الرطب ، وجعل يردّد ذلك السلك المسموم فيها حتّى علم أنّه قد مكن السمّ منها ، واستكثر من ذلك ، ثمّ أخرج السلك منها وقال لخادم له : احمل هذه الصينيّة لموسى بن جعفر وقل له : إنّ أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب وتنغّص لك ، وهو يقسم عليك بحقّه لمّا أكلته عن آخر رطبة لأنّي اخترته لك بيدي ، ولا تتركه يبقي منه شيئاً ولا يطعم منه أحداً.
فأتاه الخادم وأبلغه الرسالة ، فقال له موسى : « آتني بخلالة ». فأتاه بها ، وناوله إيّاها ، وقام بإزائه وهو يأكل الرطب ، وكان للرشيد كلبة أعزّ عليه من كلّ ما في مملكته ، فجذبت نفسها وخرجت تجرّ سلاسلها من ذهب وفضة وجواهر منظومة حتّى عادت إلى موسى بن جعفر عليهالسلام فبادر بالخلالة إلى الرطبة المسمومة فغرزها (٣) ورمى بها إلى الكلبة ، فأكلتها الكلبة فلم تلبث أن ضربت بنفسها الأرض وعوت وتقطّعت قطعاً ، واستوفى موسى باقي الرطب ، وحمل الخادم
__________________
(١) كشف الغمّة : ٣ : ٢٠ في سبب شهادته عليهالسلام.
ورواه المفيد في الإرشاد : ٢ : ٢٣٧ ـ ٢٤٣ ، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين : ٤١٤ ـ ٤١٨ ، والشيخ الطوسي في الغيبة : ٢٦ ـ ٣١ ح ٦.
(٢) أخذ سلكاً ففركه : أي أخذ خيطاً فدلكه.
(٣) غرزها : أي فأدخلها.