المأمون : إلى أين ؟
قال : « إلى حيث وجّهتني ». وخرج عليهالسلام مغطّى الرأس ، فلم أكلّمه حتّى دخل الدار ، ثمّ أمر أن يغلق الباب ، فأغلق ، ثمّ نام على فراشه ، فمكثت واقفاً في صحن الدار مهموماً محزوناً ، فبينا أنا كذلك إذ دخل علَيّ شابّ حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا عليهالسلام ، فبادرت إليه فقلت له : من أين دخلت والباب مغلق ؟!
فقال : « الّذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الّذي أدخلني الدار والباب مغلق ».
فقلت له : ومَن أنت ؟
فقال لي : « أنا حجّة الله عليك يا أبا الصلت ، أنا محمّد بن علي ».
ثمّ مضى نحو أبيه عليهالسلام ، فدخل وأمرني بالدخول معه ، فلمّا نظر إليه الرضا وثب إليه وعانقه وضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه وسحبه سحباً إلى فراشه ، وأكبّ عليه محمّد بن عليّ يقبّله ويسارّه بشيء لم أفهمه ، ورأيت على شفة الرضا عليهالسلام زبداً أبيض أشدّ بياضاً من الثلج ، ورأيت أبا جعفر عليهالسلام يلحسه بلسانه ، ثم أدخل يده بين ثوبه وصدره فاستخرج منه شيئاً شبيهاً بالعصفور فابتلعه أبو جعفر عليهالسلام (١).
__________________
(١) لم أعثر على كتاب معالم العترة النبويّة للجنابذي.
والحديث رواه الطبرسي في إعلام الورى : ص ٣٢٦ مع اختلاف في بعض الألفاظ ، وزاد في آخره :
ومضى الرضا عليهالسلام فقال أبو جعفر : قُم يا أبا الصلت وائتني بالمغتسل والماء من الخزانة.
فقلت : ما في الخزانة مغتسل ولا ماء !
فقال لي : « انتهِ إلى ما أمرتك به ».
فدخلت إلى الخزانة فوجدت ذلك فأخرجته وشمُّرتُ ثيابي لأغسّله معه ، ثمّ قال لي : « يا أبا الصلت ، إنّ معي من يعينني غيرك ».
فغسّله ثمّ قال لي : « ادخل الخزانة فاخرج لي السَفَط الّذي فيه كفنه وحنوطه ». فدخلت فإذا أنا بالسفط لم أره في تلك الخزانة قط ، فحملته إليه وكفّنه وصلّى عليه.