فلمّا بلغت الروح نحره وصبّ الماء على صدره ، فقال : هوّن عليّ سكرات الموت ، فلمّا حبس لسانه وغمّضت عيناه حرّك شفتيه ، ثمّ نظر إلى عليّ عليهالسلام وهو جالس يبكي ورأس النبي صلىاللهعليهوآله في حجره ، فهبط رأسه وجعل يوصيه بأشياء لا يفهمها بينهما إلاّ جبرئيل ، ثم وضع أُذُنه على فمه وهو يقول : « أمّتي أمّتي ».
وتوفّي صلىاللهعليهوآله في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر سنة [ أحد ] عشرة من الهجرة كما وردت به الروايات عن الأئمّة الثقات (١) ، ولله درّ من قال :
ألا طرق الناعي بليل فراعني |
|
وارقّني لمّا استقلّ مناديا |
فقلت له لمّا رأيت الّذي أتا : |
|
ألا انع رسول الله إن كنت ناعيا |
فحقّقت ما أشفقت منه ولم أنل |
|
وكان خليلي عزّنا وجماليا |
فو الله ما أنساك أحمد ما مشت |
|
بي العيس في أرض تجاوزن واديا |
وكنت متى أهبط من الأرض تلعة |
|
أرى أثراً منه جديداً وعافيا |
جرى رحيب الصدر نهد مصدّر |
|
هو الموت مدعوّ عليه وداعيا |
فوا لهف نفسي على علّة الوجود ، وينبوع المكارم والجود ، ويا طول تأسّفي على شمس الهداية والسعود ، كيف حجبتها غيوم اللحود ، وعلى ودود الملك الودود ، كيف صعّر الحمام منه الخدود ، على الحبل الممدود ، بين العبيد والمعبود ، كيف ابتلته مواضى القضاء المنفود ، وعلى مقيم السنن والحدود ، وكريم الآباء
__________________
(١) رواه الشيخ في التهذيب : ٦ : ٢ في أوّل كتاب المزار ، وعنه المجلسي في البحار : ٢٢ : ٥١٤ ، والطبرسي في إعلام الورى : ص ١٤٣ وعنه في البحار : ٢٢ : ٥٣٠.
والمشهور أنّه صلىاللهعليهوآله توفّي سنة إحدى عشرة من الهجرة كما قال الشيخ الطوسي في مصباح المتهجّد : ص ٨٩٠ ، والمجلسي في البحار : ٢٢ : ٥١٤ ح ١٦ عن قصص الأنبياء ( مخطوط ) ، والمفيد في الإرشاد : ج ١ ص ١٨٩.
قال المجلسي في البحار : ٢٢ : ٥٣٠ : بيان : لعلّ قوله سنة عشرة مبني على اعتبار سنة الهجرة من أوّل ربيع الأوّل حيث وقعت الهجرة فيه ، والّذين قالوا سنة إحدى عشرة ينوه على المحرّم ، وهو أشهر.