الحزينة علناً ، وحتى سراً أحياناً.
ففي عهد الامام التاسع محمد الجواد التقي ، نالت الشيعة بعض الحرية في إقامة شعائرهم الكئيبة هذه ، لأن الخليفة المأمون كان متساهلاً معهم خاصة وأن الامام محمد الجواد كان صهره على ابنته أم الفضل ، وكانت المآتم على الامام الحسين تقام في دور العلويين علناً ودون أي ضغط ، وليس من يعارضهم في ذلك. وقد استمرت هذه الحالة على عهد المعتصم ايضاً الذي كان يسعى لمراعاة شعور العلويين والموالين لآل البيت ، ويمنع إدخال الضغط عليهم الى حد ما ، ويسمح لهم بإقامة المناحات على الحسين الشهيد ، في دورهم وخارجها ، سراً وعلناً.
أما بعد المعتصم ـ أي على عهد الأئمة الثلاثة الآخرين ـ فقد أخذت السلطات الحاكمة بإيعاز من الخلفاء العباسيين الذين خلفوا المعتصم تشدد على هؤلاء الأئمة عليهمالسلام وشيعتهم ومواليهم ، وتمنعهم من إقامة شعائر العزاء والحزن على الحسين عليهالسلام ، وتحد من حرياتهم في ذلك. غير أن المقيمين لهذه المآتم لم يمتنعوا عن إقامتها سراً في دورهم وإن لم يستطيعوا إقامتها علناً وجهاراً ، وكانوا يستعملون التقية ، ويسدلون الأستار على الأماكن التي كانوا يقيمون فيها هذه الشعائر الحزينة في دورهم ، وخاصة عند قبور الأئمة ، كقبر الامام الحسين بكربلاء ، وقبر الامام أمير المؤمنين علي عليهالسلام في النجف ، وقبري الامامين الجوادين في الكاظمية ـ مقابر قريش ـ. ولذلك نجد أخبار وروايات إقامة هذه الشعائر المأتمية على عهد هؤلاء الأئمة الثلاثة شحيحة جداً.
وهكذا كان شأن إقامة هذه النياحات والمآتم ، وحفلات الحزن وشعائر العزاء على الحسين الشهيد ، على عهد الأئمة الأطهار الاثني عشر عليهمالسلام بين مد وجزر ولكنهم عليهمالسلام كانوا لا يتركون أية فرصة في كل عصر وجيل إلا حثوا شيعتهم ومواليهم على البكاء على الحسين عليهالسلام ، والحزن لقتله ، ورثائه بالأشعار والقصائد ، وإقامة العزاء والمآتم عليه ، واتخاذ يوم عاشوراء خاصة يوم حزن وبكاء ونياحة.