والضمير عائد إلى اسم الجلالة في قوله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) ، وهم يعلمون أن رؤيا الرسول صلىاللهعليهوسلم وحي من الله فهو يذكرهم بهاتين الحقيقتين المعلومتين عندهم حين لم يجروا على موجب العلم بهما فخامرتهم ظنون لا تليق بمن يعلم أن رؤيا الرسول وحي وأن الموحي له هو الذي أرسله فكيف يريه رؤيا غير صادقة. وفي هذا تذكير ولوم للمؤمنين الذين غفلوا عن هذا وتعريض بالمنافقين الذين أدخلوا التردد في قلوب المؤمنين.
والباء في (بِالْهُدى) للمصاحبة وهو متعلق ب (أَرْسَلَ) والهدى أطلق على ما به الهدى ، أي كقوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] ، وقوله : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ) [البقرة : ١٨٥]. وعطف (دِينِ الْحَقِ) على الهدى ليشمل ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم من الأحكام أصولها وفروعها مما أوحي به إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم سوى القرآن من كل وحي بكلام لم يقصد به الإعجاز أو كان من سنّة الرسول صلىاللهعليهوسلم.
ويجوز أن يكون المراد (بِالْهُدى) أصول الدين من اعتقاد الإيمان وفضائل الأخلاق التي بها تزكية النفس ، و (دِينِ الْحَقِ) : شرائع الإسلام وفروعه.
واللام في (لِيُظْهِرَهُ) لتعليل فعل (أَرْسَلَ) ومتعلقاته ، أي أرسله بذلك ليظهر هذا الدين على جميع الأديان الإلهية السالفة ولذلك أكد ب (كُلِّهِ) لأنه في معنى الجمع. ومعنى يظهره يعليه. والإظهار : أصله مشتق من ظهر بمعنى بدا ، فاستعمل كناية عن الارتفاع الحقيقي ثم أطلق مجازا عن الشرف فصار أظهره بمعنى أعلاه ، أي ليشرفه على الأديان كلها ، وهذا كقوله في حق القرآن (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة : ٤٨].
ولما كان المقصود من قوله : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) إلخ الشهادة بأن الرؤيا صدق ذيّل الجملة بقوله : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي أجزأتكم شهادة الله بصدق الرؤيا إلى أن تروا ما صدقها في الإبان. وتقدم الكلام على نظير (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) في آخر سورة النساء [٧٩].
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ