التفسير والبيان :
يخبر الله تعالى أنه رب العالم جميعه ، وأنه خلق السموات والأرض في ستة أزمنة أو أيام ، قيل : كأيام الدنيا وهو قول الجمهور وهو الصواب ، وقيل : كل يوم كألف سنة مما تعدون ، والأصح عند جماعة أنه تعالى خلق الكون سماءه وأرضه في زمن لا يعلم مقداره إلا هو. واليوم في اللغة هو الجزء من الزمن.
ثم استوى على العرش استواء يليق بعظمته وجلاله ، ولا يعلمه إلا هو ، والعرش هو كرسيه أو مركز تدبير الخلائق ، وهو أعظم المخلوقات وسقفها ، ولا يعلم أحد حقيقة العرش إلا هو سبحانه وتعالى.
والله تعالى في استوائه على العرش يدبر أمر الخلائق والملكوت بما يتفق مع حكمته وعلمه ، ويقدر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته.
وإذا كان الله الرب خالق الأكوان وفاطر السموات والأرض على هذا النظام البديع المحكم ، فيمكنه ولا يستبعد عنه أن يوحي بشيء من علمه على بشر من خلقه ، ليهدي الناس إلى سواء السبيل ، فذلك مظهر من مظاهر قدرته وإرادته ، فيجب على منكري النبوة الإيمان بهذا الوحي وتصديق صاحبه وتأييده بكل ما جاء به.
ولله تعالى أيضا السلطان المطلق يوم القيامة في حساب الخلائق ، فلا يستطيع شفيع أن يشفع لأحد عنده تعالى إلا من بعد إذنه أي إرادته ومشيئته ، كقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة ٢ / ٢٥٥] وقوله : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) [سبأ ٣٤ / ٢٣] وقوله : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) [النجم ٥٣ / ٢٦] وقوله : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ ، وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) [طه ٢٠ / ١٠٩].