قط؟ هل مرّ بك نعيم قط؟ فيقول : لا ، ويؤتى بأشد الناس عذابا في الدنيا ، فيغمس في النعيم غمسة ، ثم يقال له : هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول : لا».
ثم قال تعالى : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي كهذا المثل المبين الذي يوضح حال الدنيا وسرعة زوالها ، نبين الحجج والأدلة الدالة على إثبات التوحيد والجزاء وكل ما فيه صلاح الناس في معاشهم ومعادهم ، لقوم يتفكرون في آيات الله أي يستعملون تفكيرهم وعقولهم في الاتعاظ والاعتبار بهذا المثل في زوال الدنيا عن أهلها زوالا سريعا ، مع اغترارهم بها ، وتمكنهم من خيراتها ، فإن من طبعها الهرب ممن طلبها ، والطلب لمن هرب منها.
وتشبيه الدنيا بنبات الأرض كثير في كتاب الله ، مثل الآية السابقة في سورة الحديد ، ومثل آية الكهف : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ ، فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ ، فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ ، وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) [٤٥] وآية الزمر : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ، فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) [٢١].
فقه الحياة أو الأحكام :
أفادت الآية أن الحياة الدنيا سريعة الزوال والانقضاء ، وأن معيشة الناس والأنعام تعتمد على خيرات الأرض ، وأن الإنسان عاجز ضعيف أمام قدرة الله وسلطانه ، وأن مراد الله وأمره بشيء كالعذاب والهلاك هو النافذ ، وأنه تعالى يبين الآيات والأمثال لمن يستخدم تفكيره وعقله فيها ، فإن عاقبة هذه الحياة الدنيا كعاقبة هذا النبات الذي تعلقت الآمال بالانتفاع به ، فحين عظم الرجاء بالمنفعة وقع اليأس منها.
والمقصود من الآية ألا يعتمد المرء على نعيم الدنيا بنحو دائم ، وألا يغتر