ولكن يعاند ، أو من سيؤمن به ويتوب عن كفره. وضمير (بِهِ) يعود إلى القرآن (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) في نفسه لفرط غباوته وقلة تدبره ، أو فيما يستقبل بل يموت على الكفر (بِالْمُفْسِدِينَ) بالمعاندين أو المصرين على الكفر ، وهو تهديد لهم.
(وَإِنْ كَذَّبُوكَ) أصروا على تكذيبك (لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) أي لكل جزاء عمله ، وأنا بريء من عملكم ، وبما أني تبرأت منه فقد أعذرت (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) لا تؤاخذوني بعملي ولا أؤاخذ بعملكم.
(مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) إذا قرأت القرآن وعلّمت الشرائع ، ولكن لا يقبلون كالأصم الذي لا يسمع أصلا (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) شبههم بهم في عدم الانتفاع بالقرآن (وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ) ولو انضم إلى صممهم عدم تعقلهم وتدبرهم. وهذا يدل على أن حقيقة استماع الكلام فهم المعنى المقصود منه.
(مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) يعاينون دلائل نبوتك ولكن لا يصدقونك (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ) شبههم بهم في عدم الاهتداء (وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) ولو انضم إلى عدم البصر عدم البصيرة ، فإن المقصود من الإبصار : هو الاعتبار والاستبصار. والآية كالتعليل للأمر بالتبري والإعراض عنهم.
(لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) بسلب حواسهم وعقولهم (وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بإفسادها وتفويت منافعها عليها. وفيه دليل على أن للعبد كسبا وأنه ليس بمسلوب الاختيار بالكلية ، كما زعمت المجبرة.
المناسبة :
بعد أن أبان الله تعالى طعن الكافرين في النبوة والوحي ، وبعد أن أنذرهم بالدمار والعذاب في الدنيا بقوله : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) ذكر أنهم في الواقع فريقان : فريق يصدق بأن القرآن كلام الله ، ولكنه يكابر ويعاند ، وفريق لا يصدق به أصلا لفرط غباوته وجهله ، فيصر على تكذيب النبي ؛ لفقده الاستعداد للإيمان به ، فلا أمل في إصلاحه وهدايته ، فتكون المصلحة في إعطاء الفرصة للفريق الأول للإيمان دون الاستئصال.
التفسير والبيان :
المشركون في الحال والاستقبال فريقان : فريق يصدق بالقرآن في نفسه