وذكر تعالى هنا ثلاث قصص : قصة نوح مع قومه ، وقصة موسى وهارون مع فرعون ، وقصة يونس مع قومه ، وفي كل قصة عبرة وعظة. ولقد ذكرت أضواء من التاريخ على القصتين الأوليين ، وسأذكر ما يناسب قصة يونس عليهالسلام.
التفسير والبيان :
وأخبر أيها الرسول واقصص على كفار مكة الذين يخالفونك ويكذبونك خبر نوح مع قومه الذين كذبوه ، كيف أهلكهم الله ، ودمر هم بالغرق أجمعين عن آخرهم ، ليحذر هؤلاء أن يصيبهم من الهلاك والدمار ما أصاب أولئك.
اذكر لهم حين قال نوح لقومه : يا قوم إن كان قد شق عليكم وعظم قيامي معكم للدعوة إلى عبادة ربكم ، وتذكيري ووعظي إياكم بآيات الله أي بحججه وبراهينه الدالة على وحدانيته وعبادته ، فإني توكلت على الله وحده ووثقت به ، فلا أبالي ولا أكف عن دعوتي ورسالتي ، سواء عظم عليكم أو لا.
فأجمعوا أمركم ، أي اعزموا على ما تريدون من أمر تفعلونه بي ، أنتم وشركاؤكم الذين تعبدونهم من دون الله من صنم ووثن.
ولا تجعلوا أمركم الذي تعتزمونه خفيا ملتبسا عليكم ، بل أظهروه لي ، وتبصروا فيه ، وافصلوا حالكم معي.
فإن كنتم تزعمون أنكم محقون فاقضوا إلى ذلك الأمر ونفّذوه بالفعل ، ولا تؤخروني ساعة واحدة عن تنفيذ هذا القضاء ، فمهما قدرتم فافعلوا ، فإني لا أبالي بكم ولا أخاف منكم ؛ لأنكم لستم على شيء. وهذا الموقف الواثق بالله وبنصره لنوح أبي البشر الثاني مشابه لموقف هود عليهالسلام إذ قال لقومه : (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ ، وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ، ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) الآية [هود ١١ / ٥٤ ـ ٥٦].