وموضوع الآيات كيفية إغراق فرعون وجنوده ، فإن بني إسرائيل لما خرجوا من مصر مع موسى عليهالسلام ، وهم فيما قيل : ست مائة ألف مقاتل سوى الذرية ، وقد كانوا استعاروا من القبط حليا كثيرا ، فخرجوا به معهم ، فاشتد حنق فرعون عليهم ، فركب وراءهم مع جنوده وجيوشه الهائلة ، فلحقوهم وقت شروق الشمس عند ساحل البحر (البحر الأحمر ـ بحر السويس) فخاف أصحاب موسى عليهالسلام ، وإذا ضاق الأمر اتسع ، فأمره الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه ، فضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ، أي كالجبل العظيم ، وصار اثني عشر طريقا لكل سبط واحد ، وأمر الله الريح فنشفت أرضه ، وجاوزت بنو إسرائيل البحر ، فلما خرج آخرهم منه ، انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى ، فلما رأى ذلك هاله وأحجم وهاب وهمّ بالرجوع ، ثم صمّم على المتابعة وقال لأمرائه : ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا ، فاقتحموا كلهم عن آخرهم ، ولما أصبحوا في وسط البحر ، أمر الله القدير البحر أن يرتطم عليهم فارتطم عليهم ، فلم ينج منهم أحد ، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم ، وتراكمت الأمواج فوق فرعون ، وغشيته سكرات الموت فقال وهو كذلك : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ ، وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فآمن حيث لا ينفعه الإيمان ، كقوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا : آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ، سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ ، وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) [غافر ٤٠ / ٨٤ ـ ٨٥].
ولهذا قال الله تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) أي أهذا الوقت تؤمن ، وقد عصيت الله قبل هذا؟ (وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) أي في الأرض من الذين أضلوا الناس.
هذه القصة من أسرار الغيب التي أعلم الله بها رسوله صلىاللهعليهوسلم.